خبر زواج السيدة فاطمة رضي الله عنها (1)

بواسطة | د.عبد العزيز محمد نور ولي
2005/09/05
ملخص البحث :
السيدة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم هي أحب بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، وهي سيدة نساء أهل الجنة ، لذلك تنافس كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزواج منها ( رضي الله عنها ) ، فتقدم لخطبتها أبوبكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردهما لفارق السن بينهما وبين ابنته فاطمة ( رضي الله عنها ) .
وقد تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي تربى في بيت النبوة ، وكان زواجهما في العام الثاني من الهجرة النبوية .
وكان مهر فاطمة ( رضي الله عنها ) درع لا يتجاوز قيمتها دراهم معدودة ، كما كان جهازها الذي جهزها به النبي صلى الله عليه وسلم بسيطاً .
وقد اهتم بأخبارها العلماء ، فأوردوها في المصادر الحديثة والتاريخية ، إلا أن إخباريي الشيعة أفردوا لأخبارها مصنفات خاصة ، وليس ذلك بغريب عليهم فهم قد اهتموا بآل علي بن أبي طالب عموماً ومنهم فاطمة ( رضي الله عنها ) دون غيرها من بنات النبي صلى الله عليه وسلم أو زوجاته سوى أمها خديجة ( رضي الله عنها ) .
ولأن الشيعة قويت شوكتهم في القرن الرابع الهجري فقد أدخلوا في ألقابها لقب الزهراء ، حتى عمّ هذا اللقب عليها وظنّ أهل الستة بأن هذا اللقب ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد وردت بعض الروايات حول سبب رد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما ) ، وأشارت إلى أن هناك أمر إلهي بتزويج فاطمة ( رضي الله عنها ) لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولكن كل هذه الروايات متكلم فيها من جهة سندها حسب منهج المحدثين ، وهو المنهج الذي يجب أن يتبع عند مناقشة أخبار السيرة والصحابة .
 
المقدمة :
أثناء كتابتي لرسالة الدكتوراه ([1]) ، لاحظت اهتمام الإخباريين الشيعة بزواج فاطمة ( رضي الله عنها ) ، فكانت تراودني منذ ذلك الوقت الرغبة في دراسة هذا الموضوع ، وبخاصة أن هناك روايات تشير إلى أنه تقدم لخطبة فاطمة ( رضي الله عنها ) كل من أبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما ) ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ردهما ، وقد ترددت بعض التأويلات حول هذا الرد ، ولا يخفى أنه في هذا الزمان قد تطاول أهل الأهواء على أهل السنة وأثاروا الشبه حول كثير من المسلمات وذلك بالاستعانة بما ورد في المصادر من روايات وأخبار .
وفي الحقيقة أن زواج فاطمة ( رضي الله عنها ) كان من المفروض أن يكون حدثاً عابراً كبقية الزيجات ، ولكن اهتمام بعض الإخباريين وإفراد موضوعه بمؤلف خاص دون غيره من الزيجات من بنات النبي صلى الله علي وسلم أو نسائه ، ليدل دلالة أن زواج فاطمة ( رضي الله عنها ) لم يكن حدثاً عابراً عند بعض أصحاب الأهواء على الأقل .
 
المصادر التي كتبها الإخباريون وتناولت أخبار فاطمة ( رضي الله عنها )
 
ألف محمد بن زكريا الغلابي (ت298) ([2]) كتاب ( أخبار فاطمة ومنشؤها ومولدها ) ([3]) ، كما ألف ابن أبي الثلج (ت322) ([4]) كتاب ( أخبار فاطمة والحسن والحسين ) ([5]) ، وكتاب ( أخبار فاطمة الزهراء ) للصولي([6]) ، ونقل آقا بزرك وصفه بأنه كتاب كبير([7]) وكتاب ( أخبار فاطمة ) لأبي طالب الأنباري([8]) ، وللمرزباني كتاب ( أخبار فاطمة ) ذكره آقا بزرك وأحال لأبن النديم([9]) ، ولم أجده في ( الفهرست ) ([10]) ، وقد خص الجلودي ( ت بعد 330 ) ([11]) خبر زواج فاطمة بمؤلف سماه ( تزويج فاطمة ) .
 
ولو استعرضنا هؤلاء الإخباريين على نحو سريع وجدنا :
*        محمد بن زكريا بن دينار مولى بني غلاب المتوفي سنة ثمان وتسعين ومائتين([12]) ، قد ضعفه علماء الجرح والتعديل مثل ابن منده([13]) والذهبي([14]) ، بل اتهمه البعض بوضع الحديث مثل الدارقطني([15]) وابن الجوزي([16]) والحلبي([17]).
          أما عند الشيعة فهو ثقة صادق كما ذكر ذلك ابن النديم([18]) ، ووصفه النجاشي بأنه واسع العلم([19]) .
          ومن مؤلفاته : كتاب ( مقتل الحسين بن علي ) وكتاب ( وقعة صفين ) وكتاب ( الجمل ) وكتاب ( الحرة ) وكتاب ( مقتل أمير المؤمنين علي ) رضي الله عنه وكتاب ( التوابين وعين الوردة ) ([20]) .
*        وابن أبي الثلج فهو محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن إسماعيل الكاتب المتوفي سنة 322هـ ([21]) لم يذكره علماء أهل السنة إلا الخطيب البغدادي ([22]) ، أما علماء الشيعة فقد وثقوه ([23]).
ومن مؤلفاته : كتاب ( مانزل من القرآن في أميرالمؤمنين) رضي الله عنه وكتاب ( اليشرى والزلفى في فضائل الشيعة) وكتاب (تاريخ الأمة) ([24]).
 
*والجلودي هو عبدالعزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الأزدي ، من أهل البصرة ، توفي سنة 322هـ ([25])
وقيل (بعد 230هـ) ([26])
وهو يعد من علماء الشيعة ، حيث وصفه ابن النديم بأنه من أكابر الشيعة الإمامية  ([27]) ، وكذا ذكر مذهبه الطوسي([28]) .
له من المؤلفات التي تختص بالشيعة الشيء الكثير ، منها مايتعلق بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه خاصة تصل إلى أربعين كتابا ، ومنها ما يتعلق بآل البيت وأئمتهم([29].
 
*  وأبو طالب الأنباري هو عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر ، مات بواسط سنة 356هـ ، قال عنه النجاشي : شيخ من أصحابنا ،ثقة في الحديث ، عالم به ([30]).
من مؤلفاته : كتاب (طرق حديث الغدير ) وكتاب (فرق الشيعة ) وكتاب (طرق حديث "  أنت مني بمنزلة هارون من موسى ") ([31]).
 
*والمرزباني هو محمد بن عمران بن موسى بن عبيد ، صاحب ( أخبار الشعراء ) ، والمتوفى سنة 384هـ ([32]) ، وقد أشار الخطيب البغدادي إلى تشيعه واعتزاله ([33]) وقال عنه الخوانساري : كان ثقة في الحديث مائلاً إلى التشيع ([34]) ، وأكثر تصانيفه في الشعراء والغزل والنوادر ([35]).
 
*  والصولي هو أحمد بن محمد بن جعفر البصري ، قدم بغداد سنة 353هـ، صحب الجلودي عمره ، وتوفي سنة 413هـ، وثقة النجاشي ([36]) وقال عنه الخطيب البغدادي : "في حديثه غرائب ومناكير " ([37]).
    ويلحظ أنّ جلّ من ألف في خبر فاطمة – إن لم يكن كلهم – من رجالات الشيعة والذي يظهر لي أن هذه المؤلفات مفقودة .
يتبع …
 



[1] ) عنوان رسالة الدكتوراه (أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري ) وقد طبعت في المدينة المنورة ، مكتبة الخضري للطباعة والنشر ، 1417هـ.
[2] ) انظر رسالتي للدكتوراة ( أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الهجري الأول ) ، ص110 .
[3] ) آقا بزرك الطهراني ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، بيروت ، دار الأضواء ، 1403 هـ ، ج1 ، ص343.
[4] ) انظر اثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الهجري الأول ، ص119 .
[5] ) آقا بزرك الطهراني ، الذريعة ، ج1 ، ص343.
[6] ) قد أشار إليه النجاشي ، أحمد بن علي الكوفي الأسدي ، رجال النجاشي ، تحقيق محمد جواد النائبي ، بيروت : دار الأضواء 1408هـ ، ج1، ص221.
[7] ) الطهراني ، الذريعة ، ج1 ، ص343.
[8] ) الطهراني ، الذريعة ، ج1 ، ص343.
[9] ) الطهراني ، الذريعة ، ج1 ، ص343.
[10] ) انظر النديم ، محمد بن اسحاق المعروف بالوراق ، الفهرست ، تحقيق رضا تجدد ، د.م. أ ، ص ص146-149 .
[11] ) انظر نورولي ، أثر التشيع على الروايات التاريخية ، ص ص120-122 .
[12] ) الأسدي ، رجال النجاشي ، ج2، ص240 .
[13] ) الذهبي ، محمد بن أحمد  بن عثمان ، ميزان الإعتدال في نقد الرجال ، تحقيق علي محمد البجلوي ، بيروت : دار المعرفة ، د. ت ، ج3 ، ص 550 .
[14] ) الذهبي ، محمد بن أحمد بن عثمان ، المغني في الضعفاء ، تحقيق علي محمد البجلوي ، بيروت : دار المعرفة ، د. ت ، ج3 ، ص 581 .
[15] ) الدارقطني ، علي بن عمر البغدادي ، الضعفاء والمتروكين ، تحقيق : موفق بن عبد الله بن عبد القادر ، الرياض : مكتبة المعارف ، 1404هـ ، ص350، اسؤالات الحاكم للدارقطني في الجرح والتعديل ، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر ، الرياض : مكتبة المعارف ، 1404 هـ ، ص148 .
[16] ) ابن الجوزي ، عبد الرحمن بن علي القرشي ، الموضوعات ، د.م. ، دار الفكر ، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان 1403 هـ ، ج1 ، ص 148 .
[17] ) الحلبي ، برهان الدين ، الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ، تحقيق صبحي السامرائي ، بغداد : وزارة الأوقاف ، د.ت، ص371 .
[18] ) النديم ، الفهرست ، ص121 .
[19] ) النجاشي ، رجال النجاشي ، ج2 ، ص 240.
[20] ) النديم ، الفهرست ، ص121 .
[21] النجاشي رجال النجاشي ، ج 2 ، ص 299.
[22] ) الخطيب البغدادي ، أحمد بن علي ، تاريخ بغداد ، بيروت دار الكتب العلمية ، د.ت،ج1،ص338.
[23] ) النجاشي رجال النجاشي ، ج2،ص299 ؛ الحلي الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر ، رجال الحلي ، النجف : مطيعة الحيدرية ،1381هـ ، ص191؛ المامقاني ، خلاصة تنقيح المقلل ،د.م،د.أ،د.ت، ص132.
[24] ) النجاشي ، رجال النجاشي ،ج2،ص299
[25] ) النجاشي رجال النجاشي ، ج2، ص54.
[26] ) انظر نورولي ، أثر التشيع على الروايات التارخية،ص120-122.
[27] ) النديم ، فهرست ، ص128.
[28] ) المصدر السابق ، ص116.
[29] ) الخطيب ، عبد الزهراء الحسيني ، مصادر نهج البلاغة وأسانيده ، بيروت : دار الأضواء ،1405هـ، ج1،ص65.
[30] النجاشي رجال النجاشي ، ج 2 ، ص41.
[31] المصدر السابق ، ج 2 ، ص 42.
[32] الذهبي ، محمد بن أحمد بن عثمان ، سير أعلام النبلاء ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، بيروت : مؤسسة الرسالة ، 1402هـ ، ج16، ص ص 447-448.
[33] الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ، ص 136..
[34] الخوانساري ، الميرزا محمد باقر الموسوي ، روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، بيروت : الدار الإسلامية ، 1411هـ ، ج7 ، ص 322..
[35] الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ، ص 135..
[36] النجاشي رجال النجاشي ، ج 1 ، ص221.
[37] الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج4، ص 408.

بحث سريع