أوقاف النبي عليه السلام في المدينةو ماحولهامن القرى (1

بواسطة | د. عبدالله الحجيلي
2007/04/19
 (1)
تمهيد:
ثبت في أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أموالاً متنوعة من عقار وزراعة، وبعد موته أصبحت هذه العقارات والمزارع أوقافاً مستغلة يصرف ريعها على أزواجه وذريته. وسأذكر طرفاً من هذه الأحاديث فأقتصر على الشاهد منها لطولها.
من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه " أن فاطمة رضي الله عنها، سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة النبي e أن يقسم لها ميراثها مما ترك النبي e مما أفاء الله عليه …… " ثم ذكر الشاهد من ذلك بقول عائشة رضي الله عنها: "وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة".([1])
فهذا الحديث يؤكد ما فسره أهل التاريخ والسير والمغازي من حديث مفصل عن دقات النبيصلى الله عليه وسلم وأحباسه في المدينة المنورة ، وفي خيبر وفدك وهي قرى مجاورة للمدينة معروفة إلى اليوم في عصرنا الحاضر.
ومن ذلك أيضاً ما ذكره البخاري عن مالك بن أوس، ومما جاء فيه " أن علياً وعباساً جاء إلى عمر بن الخطاب في خلافته يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير"([2]).
الشاهد من هذا الحديث الطويل الذي ذكره الإمام البخاري وغيره أن بعض أموال بني النضير من يهود المدينة كانت بعض أحباس النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته.
وروى البخاري بسنده عن أبي إسحاق قال سمعت عمرو بن الحارث قال: (ما ترك النبي -r – إلا سلاحه، وبغلته، البيضاء، وأرضاً تركها صدقة ".([3])
وهنا قد يتساءل البعض فيقول لم سميت هذه الأموال بالأوقاف وقد سماها الفقهاء بالصدقات؟
والجواب على ذلك نوجزه بالآتي:
أولاً: هذا الأمام البخاري من أجلّ علماء الأمة في الحديث والفقه جعل كثيراً من عناوين أبواب كتابه الصحيح بعناوين تحمل اسم الوقف والأوقاف منها:
" باب إذا وقف جماعة أرضاً مشاعاً فهو جائز " ، وأورد في هذا الباب جزء من حديث بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر عنواناً آخر سماه " باب وقف الأرض للمسجد " وذكر فيه جزء من الحديث الماضي وهكذا([4]).
ثانياً: هذا الإمام الأزدي صاحب كتاب تَرِكَة النبيe يقول معلقاً على حديث " لا يقتسم ذريتي ديناراً وما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي فهو صدقة".
فدل ذلك على أنها صدقات موقوفات الأصول، إذا كان يخرج منها في …. ووقت نفقة نسائه ومؤونة عامله. كما جرى الأمر في حياته e وبعد وفاته إنها وقوف محبسه لا تقسم أصولها" ([5]).
ثالثاً: لقد فهم الخلفاء الراشدون والصحابة أجمع أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من أموال – قابلة للوقف – أنها أوقاف . لهذا جعلوا لها النظار ولو فهموا أنها صدقـات لقاموا بتوزيعها في الحال على الفقراء والمساكين. وهذا الفهم هو ما نراه في ثنايا هذا البحث من آثار منقولة عنهم. والحمد لله رب العالمين.
فلما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أموالاً في المدينة وما جاورها من القرى من حيث العموم، سأقوم فيما يأتي بذكر تلك الأموال على التفصيل الذي ذكره بعض الفقهاء وأهل السـير، على التفصيل الذي ذكروه في المطالب التالية :
المطلب الأول : أماكن أوقاف النبي عليه الصلاة و السلام في المدينة المنورة وما حولها:
ذكر العلماء والمحدثون والفقهاء والمؤرخون وغيرهم الأماكن التي توجد فيها أوقاف النبي عليه السلام وصدقاته في المدينة المنورة وما حولها من القرى، وهذا عرض لبعض ما قالوه مع حذف الإسناد ورجاله.
أولاً: أموال مخيريق([6]) اليهودي بالمدينة المنورة:
1 – ذكر الخصاف بسنده إلى كعب بن مالك قال:
"قتل مخيريق يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجر النبي e، وأوصى إن أصيب فأمواله لرسول الله ، فقبضها رسول الله وتصدق بــها"([7]).
2 – قال الخصاف حدثني محمد بن بشر بن حميد عن أبيه قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته بخناصره " سمعت بالمدينة والناس يومئذ كثير من مشيخة من المهاجرين والأنصار أن حوائط رسول الله e السبعة التي وقف من أموال مخيريق، وقال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله، وقد قتل يوم أحد، قال رسول الله: مخيريق خير يهود. ثم دعا لنا بتمر، فأتي به، تمر في طبق، فقال: كتب إلي أبو بكر بن حزم يخبرني أن هذا التمر من العذق الذي كان على عهد رسول الله ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه، فقلت: يا أمير المؤمنين فاقسمه بيننا، فقسمه، فأصاب كل واحد منا تسع تمرات.
قال: عمر بن عبد العزيز وقد دخلتها إذ كنت والياً بالمدينة، وأكلت من هذه النخلة ولم أر مثلها من التمر أطيب ولا أعذب". ([8])
3 – وذكر الخصاف: بسنده عن أبي كعب القرظي قال:
" كانت الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط بالمدينة، الأعواف، والصافية، والدلال، والمثيب، وبرقه، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم ". ([9])
وقال ابن كعب " وقد حبس المسلمون بعده على أولادهم، وأولاد أولادهم، وروى قوم آخر : أن صدقات رسـول الله الموقوفة كانت من أموال بني النضير ". ([10])
4 – وذكر الإمام ابن شبّه بسنده إلى ابن شهاب قال:
"كانت صدقات النبي أموالاً لمخيريق اليهودي، قال عبد العزيز : (بلغني أنه كان من بقايا بني قينقاع – ثم رجع إلى حديث ابن شهاب- فقال: وأوصى مخيريق بأمواله للنبي عليه الصلاة والسلام ، وشهد أحداً فقتل به، فقال رسول الله " مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة".
قال: وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي صلى الله عليه وسلم الدلال، وبرقـة ، والأعـواف ، والصافيـة ، والمثيب ، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم ". ([11])
5 – وقال ابن هشام: (قال ابن إسحاق : عن مخيريق: وكان ممن قتل يوم أحد، قال: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، فأخذ سيفه وعدته، وقال: إذا أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله فقاتل معه حتى قتل، فقال رسول الله – فيما بلغنا– مخيريق خير يهود) ([12])
ثانياً: أموال بني النضير بالمدينة المنورة:
آلت أموال بني النضير إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعد غزوة بني النضير فهي مما أفاء الله على رسوله من المشركين مما لهم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت أموالهم خالصة للنبي عليه السلام وهذه بعض الآثار الواردة في ذلك:
1 – روى الإمام البخاري في صحيحه حديثاً طويلاً في مخاصمة العباس وعلي بن أبي طالب في ولاية أموال النبي ومما جاء فيه " قال عمر" قال جل ذكره { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب … إلى قوله … قدير} الحشر آية (6) فكانت هذه خالصة لرسول الله e ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم . لقد اعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقى هذا المال منها. فكان رسول الله ينفق على أهله سنتهم من هذا المال. ثم يأخذ ما بقى فيجعله مجعل مال الله. فعمل ذلك رسول الله في حياته …) الحديث ([13])
2 – روى الإمام أبو داود بسنده الى ابن شهاب " كانت لرسول الله ثلاث صفايا: بنو النضير ، وخيبر ، وفدك . فأما بنو النضير فكانت حبساً لنوائبه. وأما فدك فكانت حبساً لابناء السبيل ، واما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم قسم جزءاً لنفقة أهله ، وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين " ([14])
3 – قال أبو عبيد:" عن عمر بن الخطاب: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول اللهe خاصة . فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله " ([15])
4 – ذكر الخصاف بسنده إلى عمر بن الخطاب قال:
" كان لرسول الله ثلاث صفايا، وكانت بنو النضير حبساً لنوائبه، وكانت فدك لابن السبيل، وكانت خيبر قد جزأها ثلاث أجزاء، فجزءان للمسلمين، وجزء كان ينفق منه على أهله، فإن فضل فضل رده على فقراء المهاجرين " وهذا الأثر ساقه بنصه الإمام ابن شبه في كتابه. ([16])
5 – ذكر يحيى بن آدم بسنده إلى أبي بكر عن الكلبي قال: (قسَّم رسول الله e أموال بني النضير إلا سبعة حوائط منها أمسكها ولم يقسمها). ([17]).
ثالثاً: أموال خيبر وفدك([18]) وقرى حول المدينة المنورة :
1 – أطنب الإمام ابن شبه في الحديث عن أموال خيبر وقسمة النبي لها بينه وبين أصحابه، وسأكتفي بالشاهد منها.
وهي قوله قال عن ابن إسحاق: " إن المقاسم على أموال خيبر على الشق والنطاة في أموال المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم أزواج النبي ، وطعم رجال مشوا بين أهل فدك بالصلح …… فكانت الكتيبة مما ترك رسول الله فصارت في صدقاته " ([19]).
2 – وذكر الإمام ابن شبه بسنده، عن حسيل بن خارجة قال:
" بعث يهود فدك إلى رسول الله حين افتتح خيبر:( أعْطِنَا الأمان منك وهي لك) فبعث إليهم محيصة بن حرام، فقبضها للنبي ، فكانت له خاصة"
وصالحه أهل الوطيح وسُلالم من أهل خيبر على الوطيح وسلالم، وهي من أموال خيبر، فكانت له خاصة ، وخرجت الكتيبة من الخمس، وهي مما يلي الوطيح وسلالم، فجعلت شيئاً واحداً، فكانت مما ترك رسول الله من صدقاته، وفيما أطعم أزواجه"
هذه أماكن الأموال النبوية وسأذكر تفصيل أنواعها في المطلب القادم .
يتبع ..


([1]) صحيح البخاري مع الفتح: 6/197، رقم (3093) وأطرافه [ 3712، 4036، 3241، 6726 ] .
([2]) صحيح البخاري مع الفتح رقم 3094، 7/334 / 4033، 4034، وأخبار المدينة لابن شبه 1/196 وما بعدها.
([3]) صحيح البخاري مع الفتح: 6/209 رقم (3098).
([4]) صحيح البخاري مع الفتح :(5/398 ، 404 ).
([5]) تَرِكَة النبي صلى الله عليه وسلم ص 114.
([6]) مخيريق النضري الإسرائيلي ذكر الواقدي وغيره أنه أسلم واستشهد في أحد، وقال الواقدي والبلازري أنه من بني فيقاع من بني القيطون كان عالماً أوصى بأمواله إلى النبي e بعد موته يفعل بها ما شاء، وقال غيرهما لم يسلم.
قال أكرم العمري: ( لعل ترجمة الحافظ له في الإصابة.. وقبول النبي صلى الله عليه وسلم أمواله ما يقر لرأى من ذكر أنه أسلم ، ص(78) تركة النبي صلى الله عليه وسلم – الإصابة :9/151 رقم(7844). أخبار المدينة لابن شبة:1/173.
([7]) أحكام الأوقاف ص 1.
([8]) المصدر السابق ص 2.
([9]) أحكام الأوقاف ص 2.
([10]) أحكام الأوقاف ص 2.
([11]) أخبار المدينة: 1/173 والاصابة: 9/152 ( فقد ذكر نص ابن شبه ، ونصاً آخراً عن ابن زبالة في كتابه أخبار المدينة).
([12]) السيرة النبوية: 2/89، وتاريخ الطبري: 2/531.
([13]) صحيح البخاري مع الفتح : /334 رقم (4033) . وسنن أبي داود :3/365.
([14]) سنن ابي داود:3/371 رقم (2965) وانظر: تَرِكَة النبي صلى الله عليه وسلم ص (80).
([15]) الأموال لأبي عبيد : ص(11) وانظر: تركة النبي صلى الله عليه وسلم ص(83).
([16]) أخبار المدينة: 1/176، أحكام الأوقاف ص4 .
([17]) الخراج ص 38.
([18]) المعروفة اليوم بقرية الحائط، وتقع شمال شرق المدينة بحوالي 150 كم تقريباً بينها وبين مدينة حائل.
([19]) أخبار المدينة: 1/187.

بحث سريع