تخريج حديث أنا مدينة العلم-6

بواسطة | خليفة الكواري
2005/08/22
يواصل الباحث الشيخ خليفة الكواري بحثه حول هذا الحديث ، و يورد ههنا بقية طرق الحديث عن الأعمش به ، و طرقه الأخرى عن ابن عباس …
الطـريق الثانية: طريق عيسى بن يونس ، عن الأعمش.
أخرجها ابن عـدي في: ( الكامل )[1]، والآجري في: ( الشريعة )[2]، من طريق عـثمان بن عبد الله العثماني ، قال: حدّثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً:
( أنا مدينة الحكمة ، وعلي بابها ).
قال ابن عـدي: ( وهذا الحديث لا أعلم رواه أحد عن عيسى بن يونس غير عثمان بن عبد الله ، وهذا الحديث في الجملة معضل عن الأعمش ، ويروي عن أبي معاوية ، عن الأعمش ويرويه عن أبي معاوية أبو الصلت الهروي ، وقد سـرقه من أبي الصلت جماعة ضعفاء ).[3]
وذكر ابن حبان هذه الطريق في ترجمة: عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان العثماني ، أبي عثمان.
وقال: ( كان ممن يروي المقلوبات عن الثقات ، ويروي عن الأثبات أسانيد ليس من رواياتهم ، كأنّه كان يقلب الأسانيد ، لا يـحل الاحتجاج بخبره ، روى عن عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: أنا مدينة العلم وعلى بابها ).[4]
لكن قال الدارقطني: ( هذا وهم ، لم يرو عـثمان بن خالد ، عن عيسى بن يونس شيئاً ، وإنّما روى هذا الحديث عن عيسى بن يونس ، عثمان بن عبد الله القرشي ، الشامي ).[5]
أقـول: وعثمان بن عبد الله القرشي الشامي هو الأموي ، وقد فَرَّق الخطـيب البغدادي ، وابن الجوزي بينه ، وبين عثمان بن عبد الله الأموي ، والصحيح أنهما واحد.
قال العراقي: ( فَرَّق الخطيب ، وابن الجوزي بينه وبين عثمان بن عبد الله الأمـوي ، وكلاهما يروي عن مـالك …، وجـمع الذهبي بينهما في ترجمة واحدة ).[6]
قال الحافظ ابن حجر: ( فأصاب ).[7]
أقـول: وعثمان هذا كذّاب وضّاع.[8]
الطريق الثالثة: طريق أبي الفتح سـعيد بن عقبة الكوفي ، عن الأعمش.
أخرجها ابن عدي في: ( الكامل )[9]، ومن طـريقه ابن الجوزي في:
( الموضوعات ).
[10]
قال ابن عدي: حدثنا: أحمد بن حفص ، حدثنا: سعيد بن عقبة أبو الفتح الكوفي ، حدثنا : سليمان الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ e ـ:
( أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد العلم ، فليأت الباب ).
أقـول: هذا الإسناد معلول بعلتين:
الأولى: أحمد بن حفص السعدي.
قال ابن عدي: ( حدّث بأحاديث منكرة ، لم يتابع عليه ).[11]
وقال أيضاً: ( وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب ، وممن يشبه عليه فيغلط فيحدث به من حفظه ).[12]
أقـول: وسبب غلطه هو ما أشار إليه الإسماعيلي حيث قال: ( يعرف بحمدان، جرجاني ، ممرور يكون أحياناً أشبه ).[13]
قال الحافظ ابن حجر: ( فأشار إلى أنه كان أحياناً يغيب عقله ، والممرور هو الذي يصيبه الخَلطُ ، من المِرّة فيخلط ).[14]
وقال الذهبي: ( صاحب مناكير ).[15]
وقـال في: ( الديوان ) ( واهٍ ، ليس بشيء )[16]، واتـهمه بوضـع هذا
الحديث ،كما في : ( الميزان ).
[17]
والظاهر أنه كان يخلط تخليطاً فاحشاً حتى وصل إلى حد الترك ، وإلاّ فهو صـدوق في نفسه ، ولا يتعمد الكذب كما قال ابن عدي[18]، وحمزة السهمي[19]، وقال الإسماعيلي: ( كان يعرف الحديث ، وهو صدوق ).[20]
الثانية: سعيد بن عقبة الكوفي.
قال ابن عدي: ( مجهول ، غير ثقة ).[21]
وأمّا الغماري اكتفى بقول ( مجهول ) ولم يذكر باقي كلام ابن عدي:
( غير ثقة ).
[22]
وأمّا رواية: سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
أخرجها ابن شاذان في: ( مائة منقبة ).[23]
قال: حدثني محمد بن سعيد أبو الفرج [24]، قال: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال: حدثني سعد بن طريف الخفاف ، قال: حدثني سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: رسول الله ـ صلى الله عليه وآلـه ـ لعلي:
( يا علي أنا مـدينة الحكمة وأنت بابها ، ولن تؤتى المدينة إلاّ من قبل الباب وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ، لأنك مني وأنا منك ، لحمك من لحمي ، ودمك من دمي ، وروحك من روحي ، وسريرتك من رسريرتي ، وعلانيتك من علانيتي وأنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ، سعد من أطاعك ، وشقي من عصاك ، وربح من تولاك ، وخسر من عاداك ، وفاز من لزمك ، وخسر من فارقك فمثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح ـ عليه السلام ـ من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة ).
أقـول: هذا حديث موضوع ، وعلامات الوضع ظاهرة جداً ، والإسناد معلول بما يلي:
الأولى: سعد بن طريف الإسكافي الخفاف.
قال الحافظ ابن حجر: ( مـتروك ، ورماه ابن حبان بالوضع ، وكان رافضياً ).[25]
الثانية: الانقطاع بين سعد بن طريف وسعيد بن جبير ، فإن سعداً يروي عمن روى عن سعيد بن جبير.
الثالثة: ابن شاذان.
وهو محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شـاذان ، دجال كذاب.
اتهمـه الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ بالوضع ، فقال: ( ولقد ساق الخطيب[26] أخطب خُوَارزم من طريق هذا الدَّجَّال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سـمجة ركيكة في مناقب السيد علي ـ رضي الله عنه ـ، …. ).[27]
وهذا الحديث من تلك الأحاديث الباطلة.
وذكرت هذه العلل من أجل أن يقف الباحث على حقيقة هذا الإسناد ، وإلاّ فإني أرى هذا الإسناد من صنع هذا الكذّاب ، والله أعلم.
أقـول: إذا عرفت عدم صحة حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، تبين لك بطلان قول الغماري حين قال: ( … فكيف بانضمامه إلى حديث ابن عباس الذي هو من أصح الصحيح كما عرفت ).[28]!!!
يتبع …



[1] ( 5 / 177 ).
[2] ( 3 / 236 ).
[3] ( 5 / 177 ).
[4] المجروحين: ( 2 / 102 ).
[5] تعليقات الدارقطني على كتاب: المجروحين ، لابن حبان: ( ص: 183 ).
[6] ذيل الميزان: ( رقم: 571 ).
[7] اللسان: ( 4 / 147 ).
[8] كما في اللسان: ( 4 / 143 ).
[9] ( 3 / 412 ).
[10] ( 1/ 352 ).
[11] ( 1 / 199 ).
[12] ( 1 / 200 ).
[13] معجم الإسماعيلي: ( 1 / 355 ).
[14] اللسان: ( 1 / 163 ).
[15] الميزان: ( 1 / 94 ).
[16] ( رقم: 28 ).
[17] ( 2/ 153 ).
[18] الكامل: ( 1 / 200 ).
[19] الميزان: ( 1 / 94 ).
[20] اللسان: ( 1 / 163 ).
[21] الكامل: ( 3 / 413 ).
[22] فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي: ( ص:19 ).
[23] المنقبة: ( 18 ).
[24] محمد بن سعيد بن عبدان أبو الفرج البغدادي ، ولد سنة: ( 287 ) ، وكان ثقة ، وسمع منه أبو الفتح بن مسرور البلخي سنة: ( 355 ) ، تاريخ بغداد: ( 5 / 312 ).
[25] التقريب: ( رقم: 2254 ).
[26] سقطت من الميزان وهي ثابتة في اللسان: ( 5 / 62 ).
[27] ميزان الاعتدال: ( 3 / 466 ـ 467 ) ، لسان الميزان: ( 5 / 62 ).
[28] فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي: ( ص: 30 ).

بحث سريع