انتفض العالم العربي والعالم حينما أعلن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين دولة الكويت، المحافظة العراقية تاسعة العشر، إبان غزوه للدولة الكويتية في أعقاب خلافات نفطية عميقة بين البلدين المتجاورين.
الغزو وقتها لم يكن مبرراً لدى الكثيرين، لكن الغضب العراقي من الاستغلال الكويتي ـ بنظره ـ لحقل الرميلة كانت دوافعه مبررة أيضاً، وقد كان حنق الرئيس العراقي على جيرانه الكويتيين متفهماً لدى بعض الشعوب العربية التي وقفت لجواره وفقاً لما طرحه الإعلام العراقي في أغسطس من عام 1990.
التأمت منظومة الدول العربية الرافضة للغزو العراقي وهي تمثل غالبية دول جامعة الدول العربية في اجتماع عاجل بالقاهرة لبحث قضية الغزو، وبغض النظر عن الدوافع والتأثير الخارجي الضاغط باتجاه إدانة الغزو العراقي والعمل على مقاومته عسكرياً، إلا أنه قد تولد هناك موقف يستأهل النظر لنقيضه اليوم بعين الازدراء.
الموقف العربي بوجه عام موقف هزيل إزاء أي اعتداء أو تصريح معادٍ ضد أي دولة عربية عضو في الجامعة العربية، لكنه الآن بحاجة إلى تفسير إذا ما قورن بحمية عام 1990، إذ تشابه الحالين كان يستدعي موقفاً قوياً مكافئاً لذاك الذي وقفته دول الرفض للغزو في هذا العام.
التصريحان في غاية الخطورة وردود الأفعال غاية في البؤس والضآلة: البحرين محافظة إيرانية!!
|
البحرين حينها احتجت، واستدعى وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة رضا هنرو نظيري، القائم بالأعمال الإيراني في المنامة، وأبلغه رغبة البحرين في معرفة الموقف الإيراني الرسمي، خاصة وأن التصريحات كانت من قبل مسؤول إيراني بارز، وتردد صدى الانزعاج في أروقة السياسة البحرينية، لكن أحداً من مسؤولي الدول العربية لم ينبس ببنت شفة، ولا الجامعة العربية تحركت لإدانة هذا التصريح الخطير لمسؤول رسمي إيراني اعتبر أن البحرين "محافظة إيرانية"، والعجيب أنه لم تصدر أية إدانة أو تحذير من الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ في البحرين أكبر قاعدة لها في الخليج وفيها يقع مقر قيادة الأسطول الخامس الأمريكي ويقيم عدد غير معروف من العسكريين الأمريكيين هناك (بلغ أثناء الحرب على العراق خمسة آلاف).
المفهوم أن تحتج الولايات المتحدة الأمريكية ـ التي قيل إنها قد رفضت العرض الإيراني، بدليل مضي طهران قدماً في برنامجها النووي ـ على هذا العرض، وبالتالي كان المنطقي أن تملأ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الدنيا ضجيجاً بسبب التصريح الإيراني، لكنها لم تفعل!!
ولم تكن تصريحات الديري، أحد أبرز نواب كتلة الوفاق الشيعية (17 نائباً في البرلمان البحريني، وأكبر كتلة حزبية في البرلمان) بعيدة عن التصريح السابق للمستشار السياسي للمرشد الإيراني، هذا المرشد الذي يعد أحد أكبر المراجع الدينية الشيعية في العالم، وأعلى مسؤول سياسي شيعي على الإطلاق، كلاهما قد أشعل شجرة في طرف من أطراف الحديقة الخلفية للخليج العربي، إذ إن التصريحين كلاهما كان بمثابة بالون اختبار، أحدهما سياسي، والآخر ديني، وكلاهما عكس انفراط العقد السياسي العربي، وهشاشة الموقف الديني السني الذي لم يتوقف عند حيز هذا التصريح الخطير لنائب برلماني يمثل أكبر كتلة سياسية في البحرين ولم يرعه انتباهاً لائقاً، بما يجعل الاستخفاف بأئمة الحرمين الشريفين، بل واتهامهم بالكفر ومعاداة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم، أمراً هيناً لا تهتز له عُمُد كبريات المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، ولا يكبح من ثم شطحات الهازئين والعابثين بشيوخ لهم في قلب المسلمين مكان مكين.
ثُم..
أئمة الحرمين الذين يصلي خلفهم ملايين المسلمين معادون لأهل البيت!! يخلفه صمت رسمي وشعبي وديني مهين.
إن وجود الأمريكيين البغيض في البحرين وفي الخليج عموماً، لا يبرر الصمت على الأطماع الإيرانية في هذه المملكة الصغيرة، لأن كلا الوجود مرفوض، بل إن الأطماع الإيرانية في البحرين على هذا النحو السافر تشرعن للوجود الأمريكي في نظر البعض ـ وإن كنت لا أتفق معهم ـ، وقد تطيل من بقاء العدو الأمريكي في الخليج العربي، على قاعدة الترهيب المزدوجة التي يقع ضحيتها دول وجدت نفسها فجأة بين مطرقة الإيرانيين وسندان الأمريكيين.