لَمَسَـــــــاتُ حُـــبٍّ

بواسطة | الشريفة دانية آل غالب *
2009/04/02
هناك حقيقة نعلمها جميعا ونردّدها دوما وهي أن البشر مخلوقات اجتماعية بطبعها. لكن هناك حقيقة أخرى نعيشها في هذا العصر بالذات وهي أنه بالرغم من أن العالم أصبح قرية صغيرة، وبالرغم من تعدّد وسائل الاتصال وقنوات التواصل بين الناس إلا أن المجتمع المعاصر يفتقر للاتصال البشري. بل أن العديد من الأشخاص يبعدون أنفسهم عمدا عن المحيط الاجتماعي. وهذا يفسّر لنا العديد من المشاكل النفسية والصحية التي يعاني منها الكثيرون.
فالفرد منا أصبح يعيش في عزلة اجتماعية يفرضها على نفسه بشكل صارم حتى أصبح أفراد الأسرة الواحدة يعيشون متباعدين وكأن كل واحد منهم في غرفته يعيش في جزيرة منعزلة عن أخيه أو والديه أو أبنائه أو كأنه يدور في فلك وحده ويتحدّث في مدار لا يلتقطه الآخرون من أقرب الناس إليه.
فأصبح إنسان اليوم مخالفا لتعاليم دينه التي تدعو إلى التواصل والتكافل والتفاعل مع الآخرين ومخالفا لفطرته الاجتماعية . وأصبح كل منا يتيما يعاني من الحرمان من المشاعر والاهتمام.
وللتأكيد على أهمية التواصل العاطفي باللمس بالذات خرجت لنا دراسة قام بها مجموعة من الباحثين الكوريين على مجموعة من الأطفال الرضع الأيتام عمدوا فيها إلى زيادة فترة المداعبة، والتواصل البصري، واللعب مع سيدات متطوعات لمدة 15 دقيقة، فكانت النتيجة أن زادت أوزان هؤلاء الأطفال، وأطوالهم، ومحيط رأسهم خلال 4 أسابيع مقارنة مع أطفال لم يتم إخضاعهم لهذه التجربة. وكانت إحدى الدراسات قد أكّدت أن كل فرد منّا بحاجة إلى 4 (ضمّات ) (عناقات) مملوءة بالحب للبقاء، و8 لصيانة كيان الأسرة، و12 (حضنا) للنمو!! . أي أن كل شخص بحاجة إلى 24 (حضنا) ليعيش حياة سوية نفسيا وعاطفيا .
وفي وقت تراجعت فيه المشاعر الإنسانية بشكل ظاهر وأوشكت لمسات الحب والحنان أن تختفي من حياتنا ازداد اهتمام العلماء بدراسة تأثير العواطف الإيجابية ولمساتها على الصحة. ووفقا لدراسة قام بها مجموعة من الباحثين من جامعة كارولينا الشّمالية وجد أن العناق يزيد من إفراز هرمون (الأوكسيتوسين) « oxytocin» أو هرمون «الترابط» ويقلل من ارتفاع ضغط الدم، الأمر الذي يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب خاصة للنساء.
وقد يكون هذا هو التفسير العلمي لما نشعر به في الواقع من ارتياح عندما نعانق شخصاً ما، بل إن هذا التفسير يؤكّد لنا أن المشاعر التي يثيرها العناق تتخطّى مجرد الشعور بالارتياح.
وفي دراسة سابقة أجريت على مجموعتين من الأزواج اكتشف العلماء أن المعانقة تقلل من تأثيرات الإجهاد. إذ طلب من كل زوجين في المجموعة الأولى التحدّث عن حادثة تسبّبت في إثارة الغضب لديهما على أن يتحدّثا وأيديهما متشابكة أو وهما متعانقان بينما طلب من أزواج المجموعة الثانية الجلوس بعيدا عن بعضهم البعض, وكانت النتيجة أن ارتفع مستوى ضغط الدمّ أكثر بين المجموعة التي لم تتعانق بالمقارنة مع المجموعة التي تلقت دعم الشريك . وخرجت الدراسة بأن العناق والإمساك بالأيدي بين الشريكين قبل التوجه إلى العمل يعزز المشاعر الإيجابية، ويبعث مشاعر الراحة بين الطرفين ويقلل من الإجهاد.
فالإحساس بالحب والرضا والحنان ودعم من حولنا ينعكس بصورة إيجابية على صحتنا ويؤدي دورا أساسيا في تحسّن الصحة النفسية والبدنية.
ولا يقف الأثر عند حدّ الأزواج بل يشمل أطفالنا الذين لا يحصلون على ما يحتاجونه من لمسات حب وحنان مما يجعلهم عرضة للأمراض النفسية و ( النفسجسدية) . علما بأن الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام كان إذا أقبلت عليه ابنته فاطمة الزهراء استبشر وعانقها وطبع قبلة على جبينها..
واعتقد أن بعد هذه الحقائق العلمية – التي تؤكّد لك أنك ( تفيد وتستفيد ) – لن تبخل مجددا على نفسك وعلى أحبابك بلمسة حب وحنان وعناق يبعث على الطمأنينة والأمان ..
* ) كاتبة اجتماعية ومستشارة أسرية
المصدر :جريدة المدينة 19/9/1428

بحث سريع