أهنيء نفسي و إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بهذه المناسبة الكريمة العزيزة على نفوس المؤمنين مناسبة العيد التي تأتي جائزة من الرب الكريم لعباده بعد أداء الفريضة التي كلفهم بها
فاستجابوا لأمره و تسابقوا لمرضاته ، و تعرضوا لنفحاته
ومع إطلالة العيد المبارك ، فإن هناك أمران جديران بالتأمل من كل مسلم عاقل :
أولهما : كثرة نفحات العفو و المغفرة فيما مضى من الشهر ، فالصيام والقيام و إدراك ليلة القدر ، كلٌ منها يكفر الذنوب و يمحو الخطايا ، و يجدد ما اندرس من الاستقامة وصفاء الفطرة ، إضافة إلى ما تأذن به الرب الكريم من المن بإعتاق الرقاب في كل ليلة منه حتى إذا كانت الليلة الأخيرة منه أعتق فيها بعدد من أعتق فيما مضى من الشهر ، فهو ميدان سباق في الأعمال الصالحة ليست له نهاية ، و لا يعقل أن يتأبى قادرٌ عن المشاركة والضرب بسهم وافر في حوز هذه الغنائم إلا من هانت عليه نفسه و أقعدته همته ، فهذا الذي خاطبه الشاعر معنفاً له بقوله :
اربأ بنفسك أن تكون مقصراً في غاية فيها الطِلابُ سباقُ
و لذلك سيحرص كل موفق على ألا يضيع عليه شيء ، و ألا يكون أقل حظاً من غيره !
ثانيهما : شؤم الشحناء و التهاجر بين المسلمين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح أُري ليلة القدر فخرج يريد أن يخبر بها أصحابه ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فرفعت .
و العمل الصالح الذي يعمله كل من المتشاحنين موقوف عن القبول بسبب ما بينهما من الهجران والقطيعة حتى يصطلحا ،
فيا خسارة العمل و يا ضيعة الأمل في المغفرة !!
و لما كان العيد تتويجاً لفرح المسلمين بعملهم الصالح ، فإنَّ من لم يسع إلى إزالة هذه الشحناء و وصل حبال المودة ليس له نصيب من الفرح الحقيقي بالعيد حتى و إن بدت عليه البهجة الظاهرة في ملبسه و بيته
و بأي شيء يفرح إذا كان عمله موقوفاً محجوباً عن القبول ، " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون "
إنني أدعو كل مسلم و مسلمة إلى أن يفتحوا أبواب قبول أعمالهم ، و إلى المشاركة في فرحة العيد الحقيقية بالمبادرة إلى الصفح و التغافر ، و أن يحرص كل واحد على أن يكون هو الباديء بهذا الفضل كما قال حبيينا و قدوتنا أبو القاسم عليه صلوات الله وتسليماته : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا و يعرض هذا ، و خيرهما الذي يبدأ بالسلام " .
كم من الناس من يهم بهذا الخير ، فتسول له نفسه و يملي عليه شيطانه من الحجج و المعاذير ما يزهده بالسعي للخيرية التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام
إن الحرص على الصفح و وصل من قطع – كما أنه سبيلٌ للقبول و لمرضاة الله – فإنه الضمانة الحقيقية للابقاء على الاخوة الحقيقية بين المؤمنين و سد منافذ الشيطان ، " و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " .
فاللهم اجعل عيد المسلمين مذكراًَ بجمع الشمل و وصل القلوب و التقاءها على محبتك و طاعتك ، " ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "