الوحدة و الاكتئاب بعد الطلاق

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2007/11/03
أنا امرأة مطلقة من ابن عمي ، و نحن من الأشراف ، لا يوجد سبب لفراقنا إلا الشيطان ، أعلم أنه يحبني و أنا أيضاً أحبه ، لكنه العناد و التعصب للنفوس و لا أستطيع أن أتنازل عن آرائي .. رزقني الله منه طفلان ، أحدهما 10 سنوات و الآخر ثمان سنوات .
أنا إنسانة متدينة ، و أواظب على الصلاة والأذكار والدعاء وأعمل في هذه الحياة من أجل أطفالي . دائما يراودني شعور قاس جدا وهو شعوري بالوحدة القاتلة ، و أخاف جداً من حضور احتفالات ومناسبات الأقارب و الأرحام ، لا أريد أن أتذكر الماضي . إنني تعيسة ، و مهمومة مع أنني إنسانة تحب الحياة بما يحب الله ويرضي ، أحس بحاجتي الماسة للزواج لأنني بدأت أضجر وغضبي يزداد على كل شئ في حياتي حتى أتفه الأشياء . أحس وكأنني في عالم لوحدي .. رأتني أختي مرة ، فقالت : يظهر على وجهك الاكتئاب . ساعدوني ..لا أريد أن يسيطر علي هذا الشعور و الاحساس ، أصبحت صامتة و منطوية أكره الناس من حولي .. بدأت أفقد الأمل في كل شيء ، أصعب شيء على نفسي الآن الضحك أو الابتساتم و أكره من يضحك لأن الحياة لا يوجد فيها شيء يسوى أن يضحك له الانسان ..
زوجي السابق قد تزوج الآن ، و أنجب بنات و أولاد .زلا أحسده ، لكن قد كنت زوجته يوماً ما ؟! أرجوكم ساعدوني ؟! .


الجــــواب:

الجــــواب:

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على رسوله الأمين و على آله الطاهرين و صحابته الغر الميامين ، و بعد :
أيتها الأم و الأخت الفاضلة .. اصبري و تجلدي لريب الزمان ، و ما بثثتيه من الشكاوي و الآلام يمر بعدد من المطلقات و الأرامل و الأيامى حين تفقد الزوج إما بوفاة أو طلاق و خلع ، فإذا بدأت في تحمل تبعات و أعباء الحياة من القوامة على الأولاد و متابعة دراستهم ، تدرك حينذاك المرأة عظمة قيمة الرجل و الزوج و مكانته في الحياة … ، و قد ذكرت من حالك أيتها الشريفة عبرة لمن بعدك ، فأنت تحبين زوجك و هو يحبك ، لكن الشيطان فرق بينكما
لسن كل النساء كما ذكرت ، فهناك مطلقات و أيامى صبرن على مرارة فقد الزوج و استطعن أن يقلبن المحنة إلى منحة ، بل يوجد من المفتنونات و الساقطات – ممن لا يعتبر بحالهن – من تحتفل بطلاقها من زوجها ، لتظهر تجلدها و ترفعها عن قوامة ذلك الرجل وحاجتها إليه .
و لا ريب أن النساء متفاوتات في ذلك و في القدرة على الصبر والتحمل ، لكن المهم هو كيف تستطيعين التغلب على تلك العقبات ، و كيف تصلين إلى السعادة و الطمأنينة و أنت مطلقة ؟!
لماذا تستطيع بعض النساء أن تمر بمثل تلك الظروف و تتجاوزها و هي محافظة على قدر معين من الثبات والاستقرار النفسي و الاجتماعي فلا تخسر معنى حلواً من معاني الحياة السعيدة .. في نظري أن اولئك النسوة يتمتعن بقدر وافر من تحقيق جملة من الأسباب القدرية والشرعية توفر لهن زاداً يواجهن به غصص الحياة ، و منها :
أولاً : توثيق الصلة بالله تعالى ، ومن ذلك الإيمان بأن هذه المشكلة وغيرها واقعة بقضاء الله تعالى وقدره ، وأن الله تعالى أرحم بك من الوالدة بولدها ، و أن قضاءه خير لعبده ، في العاجل والآجل ، المصائب تكفر السيئات ، و الصبر عليها يرفع الدرجات ، و الله إذا أحب عبدا ابتلاه . و لا ريب أن الطلاق مصيبة من المصائب تبتلى به المرأة..
ثانياً : اعلمي أنك بين حالين : أن تحيي مهمومة كئيبة و تعيسة كما ذكرت في سؤالك ، أو تصبري وتحتسبي و تتجلدي ، لتنالي الأجر والثواب عند الله تعالى . و اعلمي أن حزنك لا يقدم ولا يؤخر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية : " إلم يصبر ، و إلا سلا سلو البهائم "
ثالثاً : التأمل في نعم الله تعالى ، والسعي في شكرها ، ومقارنة هذه النعم الكثيرة بالمصيبة الحاصلة . وهذا يفتح على القلب باباً إلى الرضا . فتأملي كم لله عليك من نعمة ، في دينك ، ونفسك ، وصحتك ، ومالك ، وأولادك و نسبك و شرفك . و أنت تذكرين الدين والمواظبة على الأذكار ، فأنت على خير و عندك استعداد قوي لتجاوز ما تمرين به من ظروف صعبة .. تأملي أختي ما يصيب غيرك من المصائب ، فكم من امرأة مقعدة ، وأخرى مصابة في أبنائها ، و اخرى بدون أقارب أو عشيرة ، و لا أحد يستمع لها ، و ثالثة مبتلاة في دينها أو عفافها ، و رابعة تئن من الأمراض و تشتكي من الأسقام ، وغيرهن كثير .
تأملي ذلك لتعلمي قدر نعم الله عليك ، و الله يحب ذكر النعم عند نزول المصائب ، فإنه لا يديم النعم و لا يجلبها إلا هو سبحانه وتعالى ..
رابعاً : تذكري أيتها الأخت الكريمة أولادك ، ماذا قدمت لهما ؟ هل جاهدت فيهما ؟ كيف أخلاقهما ؟ كيف حفظهما للقرآن و تلاوتهما لكلام الرحمن ؟ إن في الاشتغال بهما لشغلاً كبيراً ، فاحمدي الله على هذه العنمة العظيمة نعمة الولد ..و اتقي الله فيها ..
خامساً : إن الفراغ مفسد لمن لا تمر حياته باضطرابات أو منغصات فكيف بك أنت ؟ و لهذا املئي فراغك بالنافع و اشغلي الوقت بخيرات الدنيا والآخرة . ومن ذلك : الالتحاق بأحد مراكز تحفيظ القرآن الكريم ، وحضور المحاضرات الدينية ، و قراءة الكتب النافعة ، و استماع الأشرطة النافعة ، و تعلم شئ من الأعمال المنزلية كالخياطة و عمل الأطعمة و الصدقة بها .
سادساً : اجعلي همك هماً واحداً هم المعاد و لقاء الله ، وسترين كيف تحل أمورك الواحد تلو الاخر ، و كلما ابتعدت عن هذا الهم الذي خلقنا لأجله ، فأنك تبتلين بالمنغصات والهموم المتواصلة التي لا تتوقف ، و قد ذكرت في سؤالك أشياء مخيفة قد تصلين إليها ، فعلقي رجاءك بالله و الدار الاخرة ، والحياة الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة ..
سابعاً : اليقين والثقة بأن ما عند الله خير لك ، وأنه أرحم الراحمين ، وأنه مع المتقين ، ويحب المحسنين ، ويجزي الصابرين ، ويسعد المؤمنين ، كما قال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .
والحذر من شكايته سبحانه إلى خلقه ، فهي شكاية الذي يرحم ، للمخلوق الذي لا يرحم .
قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ ) رواه الترمذي (2326) وأبو داود (1645) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ثامناً : عليك بالدعاء والتضرع إلى الله عز و جل ، و أكثري من هذا الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . قَالَ : فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
تاسعاً : ( الصلح خير ) .. و الرجعة أفضل لحالك ، خاصة و أنك تذكرين حاجتك للزواج .. و الأولاد بحاجة إلى قرب أبيهم للمتابعة وللتربية ، .. أرى أن تبادري بتوسيط بعض أقاربك في موضوع رجوعك لزوجك ممن تثقين فيهم ، فإنه أمر سهل و ميسور ، و في احيان كثيرة المانع للرجعة هو العناد و عدم حب الظهور بمظهر الحاجة و السؤال و الفاقة امام الطرف الآخر . و اعلمي اختي أن هذا من كيد الشيطان وتلعبه بك و به ، فاستعيذي بالله من شره ، و اتقي الله في نفسك و في دينك و في أولادك .. و إني أرى أن أمر الرجوع سهل و قريب ، لأن الزوج ابن عمك ، و هو من أقاربك ، حتى و إن تزوج زوجة أخرى ، فأن تكوني زوجة خير من أن تكوني مطلقة بمثل الحال التي أنت فيها ، و الأمر يحتاج إلى قرار حاسم تتخذينه في هذا الموضوع ، توكلي على الله ، و إني واثقٌ أن الله سيهيء لك من ضيقك مخرجاً و يرزقك من حيث لا تحتسبين ، و لن تعدمي خيراً من الرحمن الرحيم إن شاء الله تعالى ..
هذا ، و أسأل الله أن يلم شملك مع زوجك و أسرتك و أولادك ، و أن تعودي لحياتك السعيدة ..
و الله تعالى أعلم

بحث سريع