قصيدة زفرة محرور للإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين

بواسطة | محرر النافذة
2009/04/20
( زفرة محرور )


قصيدةٌ للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ين الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم سلام الله .

( 246 في المدينة المنورة – 298 اليمن )

خاطبَ فيها أبناء عمومته من أبناء الحسن والحسين أهلَ الحجاز ، مُستنكراً عليهم حالَهُم وما أفضَت عليه دُنيَاهُم ، مِن مهادَنةٍ للظلمَة ، واشتغالٍ بالدنيا الفانية ، وتقاعسٍ عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويحثهم على نصرته والخروج إليه ، و يستنكر منهم تصديقَهم لمَنَ وشى به عندَهُم ، و بأنّهُ يملك أموالاً طائلةً في اليمن ويبخلُ بها عليهم ، وهو إمام مذهب الزيدية باليمن

فقالَ الهادي :
نَفَى النَّومَ عَنْ عَيْنَيَّ هَمٌّ مُضاجِعُ
و خَطْبٌ جليلٌ فَهُو لِلنَّوْمِ مانِعُ
وأرّقَني أَنْ لا صديقَ ولا أخٌ
يُشارِكُني فيما تُحِنُّ الأضَالِعُ
أُفَكِّرُ في الدُّنْيا وتافِهِ شَأْنِها
كَما طالَ فِكْري والعيونُ هَواجِعُ

سَبَتْهُم بِحُسْنِ الذَّوْقِ مِن شَهَواتِها
فَكُلٌّ لها إِلْفٌ مُحِبٌ مُطَاوِعُ

يُوفِّرُ ما قَدْ نَالَ مِن فَضَلاتِها
ويدَّخِرُ لِلْوُرَّاثِ ما هو جَامِعُ

ويَبْخَلُ عَن تَقْديمِ خَيْرٍ لِنَفْسِهِ
و يَجْزَعُ عَن إِخْراجِه ويُدَافِعُ

ويَمْنَعُهُ التَّسْويِفُ عَنْ بَابِ رُشْدِهِ
وَ يَعْجَلُ فيما ضَرَّهُ ويُسارِعُ

ويَدَّخِرْهُ حَتَّى يَكونُ كأنَّهُ
إلى مالِهِ بَعْدَ المَنِيَّةِ رَاجِعُ

أَلَيْسَ عَظِيماً أَنْ تُسالِمَ مُبْطِلاً
ظَلُوماً لأِهلِ الحقِّ فالحقُّ خاضِعُ

قَتيلٌ قَلِيلٌ أَهلُهُ ومُضَيَّعٌ
فَساحَتُهُ قَفْرٌ قَوَاءٌ بَلاقِعُ

وعَطَّلَه أَنْصَارُهُ وحُمَاتُهُ
فَقَدْ دَرِسَتْ أَعْلامُهُ والشَّرَائِعُ

وآلُ رَسُولِ اللهِ قَدْ شَغَلَتْهُمُ
عُيُونٌ وأَمْوَالٌ لَهُمْ ومَزَارِعُ

وحِقْدٌ وإِحْياءِ الضَّغَائِنِ بَيْنَهُمْ
ولَمْ يُجْمِعُوا فِيهِ وَقَلَّ التطاوُعُ

أَرَى الطالِبِيِّين الأُسُودَ تَخَاذَلُوا
فَمِنْهُم مُدَانٍ لِلْعِدَى ومُصَانِعُ

ولَمْ يَطْلُبُوا إِرْثَ النُّبُوَّةِ بِالقَنَا
ولَمْ يَمْنَعُوهُ والرِّماحُ شَوَارِعُ

أَرَى حَقَّهُمْ مُسْتَوْدَعاً عِنْدَ غَيْرِهِمْ
ولا بُدَّ يَوْماً أَنْ تُرَدَّ الوَدَائِعُ

هَلُمُّوا إلى مَا يُورِثُ الفَخْرَ والسَنا
فَمَا عَزَّ قَوْمٌ أَمْرُهُمْ مُتَنازَعُ

فَلَوْ عَضَدَتْنِي عُصْبَةٌ طَالِبِيَّةٌ
لها شِيَمٌ مَحمُودَةٌ ودَسَائِعُ

وصَبْرٌ عَلَى البَلْوَى إِذا نَزَلَتْ بِهِمْ
جَحَاجِحٌ في أَسْيافِها السُمُّ نَاقِعُ

إذاً مَلَكُوا الدُنْيَا وَذَلَّ عَدُوُّهُمْ
ولَمْ يُرَ في رَوْضَاتِهِم وهو راتِعُ

ولَكَنَّهُمْ أَضْحَوْا وَأَمْسَوْا كَآيِسٍ
يُدَارِي فَيُعْطَى تَافِهاً فَهو قَانِعُ

فَذُرِيَّةُ المُخْتَارِ في عَقَواتِهِمْ وفي
الأَرْضِ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْها المواضِعُ

تَفرَّقَتِ الأَهْوَاءِ مِنْهُمْ وَطامَنُوا
فَلا الخَفْضُ مَحْمُودٌ ولا السِلْمُ نَافِعُ

شَدُيدٌ عَظِيمٌ أَنْ تَصِيرُوا أَذِلَّةً
وأَنْتُم لُيوثٌ حِينَ تُخْشَى الزَّعَازِعُ

وأَعْدَاؤُكم في غَبْطَةٍ وغَضَارَةٍ
وعيشٍ عَلى حَافَاتِهِ المُلْكُ ذَائِعُ

فَشُدُّوا وصُونُوا دَينَكُمْ وتَحَاشَدُوا
وقُومُوا فأَنْتُمْ مُرْهَفَاتٌ قَواطِعُ

كَمَا أَجْمَعُوا فِي قَبْضَةٍ وتَوَازَرُوا
وحَامُوا مَعاً فِيهِ ورَاحَ التَّخَادُعُ

كَذَلِكَ أَنْتُمْ يَا آلَ أَحْمَدَ فَانْهَضُوا
بِجَيْشٍ كَسَيْلٍ حَدَّرَتْهُ الجَرَاشِعُ

فَمَا العِزُّ إِلاَّ الصَبْرُ فِي حَوْمَةِ الوَغَى
إذا بَرَقَتْ فِيهِ السُّيُوفُ اللَّوامِعُ

هَلْ المُلْكُ إِلاَّ العِزُّ والأَمْرُ والغِنَا
وأَفْضَلُكُمْ مَنْ هَذَّبَتْهُ الطَّبَائِعُ

وَمَنْ لَمْ يَزَلْ يَحْمِي وَيَنْقُمُ ثَأْرَهُ
وَمَنْ هُوَ فِي الحَالاتِ يَقْظَانَ هَاجِعُ

بِقَلْبٍ يَظُنُّ الرَأْيَ فِيهِ بِظَهْرِه
وَيمْضِي إذا ما أَمْكَنَتْهُ المَقاطِع

ونَحْنُ بَقايا المُرْهَفاتِ وسُؤْرُها
إذا كَانَ يَوْمٌ ثَائِرُ النَقْعِ سَاطِعُ

يَمُوتَ الفَتَى مِنَّا بِكُلِّ مُهَنَّدٍ
وأَسْمَرَ مَسْنُونِ الشَبَا وهَو دَارِعُ

فِتَلْكَ مَنَايانَا وإِنَّا لَمَعْشَرٌ
مِنَ النَّاسِ في الدُنْيَا النُّجُومُ الطَوَالِعُ

أَبُونَا أَمَيرُ المؤْمِنِينَ وجَدُّنَا
رَسُولُ الَّذِي مِنْهُ تَتِمُّ الصَنَائِعُ

نَهَضْتُ ولَمْ أَعَجَزْ وَقُلْتُ مَوَاعِظاً
ذَخَائِرَ عِلْمٍ إِنْ وَعَاهُنَّ سَامِعُ

فَكَمْ قَائِلٍ فِي نَفْسِهِ وضَمِيرِهِ
أَيَا وَاعِظَاً في ذًا كَلامُكَ ضَائِعُ

فَكَيْفَ غِنَاءُ الكفِّ عِنْدَ اجْتَهَادِهَا
إذا لَمْ تُعِنْهَا بِالفِعَالِ الأَصَابِعُ

بَنَيْتُ لَكُمْ بَيْتاً مِنَ المَجْدِ سَمْكُهُ
دُوَيْنَ الثُّريَّا فَخْرُهُ مُتَتَابِعُ

فَأَضْحَى لَكُمْ عِزٌّ بِهِ ومَفَاخِرٌ
وذِكْرٌ ومَجْدٌ شَامِخُ الفَضْلِ يافِعُ

بَعَثْتُ كِتابَ اللهِ بَعْدَ هَلاكِهِ
فَلَيْسَ بِغَيرِ الحقِّ يَزْمَعُ زَامِعُ

وحَرَّمْتُ مَا قَدْ حَرَّمَتْهُ نَواطِقٌ
مِنْ آيِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ جَوامِعُ

ولايَمْتُ أَحْكَامَ الكِتَابِ بِأَسْرِهَا
كَمَا لايَمَ الذُّوُدَ المُشِبُّ المُشَايِعُ

فَطَالَ بِفِعْلِي كُلُّ آلِ مُحَمَّدٍ
وكُلُّ عَزِيزٍ عِنْدَهُم مُتَواضِعُ

وشِيعَتُهُمْ عَالُونَ فِي كُلِّ حُجَّةٍ
وأَمْرُهُمْ فِي آلِ أَحْمَدَ جَامِعُ

وُجُوهُهُمُ تَزْهُوا بِنُورِ فِعَالِهُمْ
إذا فَخَرُوا طَالُوا عَلَى مَنْ يُنَازِعُ

لأَنَّهُمُ أَحْيَوْا كِتَاباً وَسُنَّةً
بِهِ شَهِدَتْ عِنْدَ الفِخَارِ الصَّوامِعُ

فَإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَشْكُرُوا لِي صَنِيعَتِي
فَلا يَكْفُرَنْهَا عَازِبُ الرُّشْدِ قَاطِعُ

يُساعِي قَبِيحَ الظَّنِّ فِينَا وإِنَّهُ
لِمَا يَعْتَرِي مِنَ ظَنِّهِ لَمُطَاوِعُ

نَقَمْتُمْ عَلَيْنَا فِي العَطِيِّةِ فَاسْمَعُوا
فَمَا القَوْلُ إِلاَّ مَا وَعَتْهُ المسَامِعُ

أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَجُودُ بِمُهْجَتِي
ومَالِي جَمِيعاً دُونَكُمْ وأُدَافِعُ

وأَنِّي لَكُمْ عِنْدَ المكَارِمِ والعُلَى
وأَحْمِي عَلَى أَحْسَابِكِمْ وأَرَادِعُ

ولَسْتُ وبَيْتِ اللهِ أَدْخُرُ عَنْ أَخٍ
إذا نِلْتُ مَا فِيهِ الغِنَى والمنَافِعُ

أَلَمْ تَفْهَمُونِي في يَدَيَّ أُمُورُكُمْ
وفِي صِغَرٍ مِنِّي وإِذْ أَنَا يَافِعُ

وأَني لأَحْمِي أَنْ أَبِيتَ بِغَبْطَةٍ
بَطِيناً وجَارِي مُقْتَرٌ وهَو جَائِعُ

فَلا تُسْرِعُوا بالظَّنِّ فِيَّ بِأَنَّنِي
ذَخَرْتُ كُنُوزاً فَالظُّنُونُ تُسَارِعُ

فَلَسْتُ إِذَا أُعْطِيتُ أُبْقِي بَقِيَّةً
ولَسْتُ إِلى مَا لا يَحِلُّ أُطَالِعُ

فَيَا قَوْمُ قُومُوا لِي بِعُذْرِيَ عِنْدَكُمْ
فَإنِّي بِحَمْدِ اللهِ والحَقُّ صَادِعُ

فَمَا أَحَدٌ يَسْعَى لِيَنَعْشِ عِزِّكُمْ
سِوَايَ وهَذا عِنْدَ ذِي اللُّبِّ وَاقِعُ

فَلا رَاتِقٌ مَا قَدْ فَتَقْتُ عَلى العِدا
وَلا وَاضِعٌ في الحَقِّ مَا أَنَا رَافِعُ

تَظُنَّونَ أَنَّ المالَ عِنْدِي مَرَاكِمٌ
وأَنِّي بِهِ عَنْكُم ضَنِينٌ مُمَانِعُ

إذا خَذَلَتْنِي إِخْوَتِي وعَشِيرَتِي
فَمَا أَنَا بَعْدَ الجُهْدِ والحَزْمِ صَانِعُ

ولَسْتُ بَنِي عَمِّي أَخَا تِلْكَ فاعْلَمُوا
ولَيْسَ عَنِ الأَمْوالِ مِثْلِي يُدَافِعُ

أَبَى اللهُ لِي هَذا الفِعَالَ وهِمَّتِي
وإنِّي امْرُؤٌ لا تَعْتِرينِي المطَامِعُ

وإنِّي قَصَدْتُ اللهَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ
وإنَّي لَهُ عَبْدٌ مُطِيعٌ مُتَابِعُ

ومَنْ تَابَعَ الرَّحْمنَ لَمْ يَبْغِ غَيْرَهُ
وذو البُخْلِ بِالأَمْوَالِ بِاللهِ جَائِعُ

فَقَدْ عِشْتُ فِيكُمْ أَعْصُراً بَعْدَ أَعْصُرٍ
بَذُولاً لِمَالِي إِنْ حَوى المالُ جَامِعُ

أَبَعْدَ مَشِيبِ الرَأْسِ والفَضْلِ والنُّهَى
صَبَوْتُ إلى الأَمْوالِ إنِّي لَطَامِعُ

فَلَوْ أَنَّ أَرْضَ اللهِ طَرَّاً بَأَسْرِها
فَأَمْثَالَها أَضْحَتْ حَوَتْهَا الأَشَاجِعُ

لَجُدْتُ بِها واللهِ قَوْلَةُ صَادِقٍ
لِبَعْضِكُمُ صَدْرِي بَذلِك وَاسِعُ

بَنِي العَمِّ إنِّي في بِلادٍ دَنِيَّةٍ
قَلِيلٌ ودَاهَا شَرُّها مُتَتَابِعُ

ولَيْسَ بِها مَالٌ يَقُومُ بِبَعْضِها
وسَاكِنُها عَرْيانٌ غَرْثانٌ جَائِعُ

سَلُوا النَّاسَ عَنْها تَعْرِفُوا مَا جَهِلْتُمُ
مِنْ أَخْبَارِهَا خَيْرُ الرِّجَالِ المُطَالِعُ

نَسِيتُمْ مُحَاماتِي عَلَيْكُمْ ودُونَكُمْ
وذَلِكَ مَفْهُومٌ لَدَى الخَلْقِ شَائِعُ

فَإِنْ لَمْ تُكَافُونِي بِفِعْلِي فَتُحْسِنُوا
فَلا يَأتِنِي مِنْكُم هُدِيتُمْ قَطَائِعُ

فَلَسْتُ لَها مِنْكُمْ بِأَهْلٍ وإِنَّما
لِكُلِّ فِعَالٍ مَوئِلٌ ومَواضِعُ

بَنِي عَمِّنا الدُّنْيا تَدُورُ بِأَهْلِها
وأَيَّامِها عُوجٌ هُدِيتُمْ رَواجِعُ

فَلا تَيْأَسُوا مِنَّا لَعَلَّ أُمُورَنَا
سَيُسْعِفُها دَهْرٌ مُواتٍ مُتَابِعُ

فَيَلْقَى الَّذي قَدْ كَانَ بالظُّلْمِ عَاتِياً
أُمُوراً إِلَيْها كَانَ قَبْلُ يُنَازِعُ

فَلِلدَّهْرِ حَالاتٌ تُقلِّبُ أَهْلَهُ
فَتَخْفِضُ مَتْبُوعاً وتَرْفَعُ تَابِعُ

ولَيْسَ أَخُو الأَيَّامِ إِلاَّ مُنَاظِراً
عَواقِبَها لا أَعْوجَ الرَّأْيِ جَازِعُ

فَمَنْ كَانَ فِي شَيْءٍ تَنَظَّرَ ضِدَّهُ
فَلِلشَّيْءِ أَسْبابٌ إِلَيْهِ تُسَارِعُ

عَلَيْكُمْ سَلامَ اللهِ ما ذَرَّ شَارِقٌ
ومَا سَجَعَتْ فَوْقِ الغُصُونِ السَّواجِعُ
المصدر : كتاب سيرة الهادي إلى الحق
تحقيق د. سهيل زكار
{moscomment}

بحث سريع