عوائق في طريق الزواج:الأسباب والحلول

بواسطة | منار التركي
2008/02/10

قال تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } وقال تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً … } وقال تعالى { وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } وقال صلى الله عليه وسلم [ إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ] .
فهو سُنة الأنبياء ودأب الصالحين ولا غنى للذكور ولا الإناث عن إتمامه متى حان وقته وانعقدت أسبابه فهو سببُ بقاء النسل الشرعي في جنس الإنسان انه الزواج قال صلى الله عليه وسلم: [ أربع من سنن المرسلين التعطر والنكاح والسواك والحناء ] وقال صلى الله عليه وسلم :[ النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني و تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح و من لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء ] .
لكن هناك عوائق وعقبات تقف في وجوه الشباب والفتيات تحول بينهم وبين تطبيق هذه السنة أوالتاخر فيها فهي كارثةٌ اجتماعية خطيرة توازي أوتتفوقُ على مشكلاتٍ أخرى سياسيةٍ وعسكريةٍ وأمنية واقتصادية وتعليمية ومع ذلك فلم تأخذْ حيِّزَها المناسبِ من الاهتمامِ الرسمي وفي الأدبيات الفكرية والندوات والفعاليات الثقافية وفي عالم الإعلام دون إغفالِ بعض الجهود المشكورة التي بُذلت ولازال بعضها مستمراً غيرَ أنها تبقى محدودةَ الأثرِ بالنسبةِ إلى حجمِ المشكلة وانتشارها وينبغي التذكيرُ بأنَّ كلِّ فتاةٍ عانسٍ يقابُلها رجلٌ عانسٌ تقريبا فمن العوائق :
1- ضحالة الثقافة الشرعية فيما يخص الولاية والزواج والمهر والتعدد والعدل .
2- ضمور معاني الأسرة في النفوس وخاصة لدى الرجال .
3- ارتفاع المهور وتكاليف الزواج بالإضافة إلى أن الخاطب في بعض المجتمعات يدفع مهراً شرعياً للفتاة إضافة إلى ما يدفعه لأبيها وأمها وأخيها وقد تطول هذه السلسلة الظالمة والمهرُ ليس ثمناً للمرأة بل إيناسٌ لها وتلطفٌ معها قبلَ الاستمتاعِ بها وهو حقٌ خالص لها لا يشاركها فيه أحدٌ قال صلى الله عليه وسلم [ أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ] .
4- البطالة فكيف يتزوج الشاب وهو لا يجد عملا يعيش منه فلن يقبل ولي الفتاة به هذا إن رضي الشاب بأن تصرف زوجته عليه حتى يجد مايتكسب منه .
5- عدم المبادرة بتزويج الشاب والفتاة بحجة أنهم مازالوا صغارا فالله تعالى العليم الحكيم الخبير يحاسب الإنسان إذا بلغ سن التكليف ومن علاماته بلوغ سن الخامسة عشر مما يدل على أنهم أصبحوا كبارا فكيف يكونون صغارا على الزواج وهم في هذا السن محاسبون إلا اذا لم يحسن الوالدين تربيتهم بالشكل الصحيح ولم يزرعوا فيهم الاعتماد على أنفسهم ولم يهيئوهم لمثل هذا اليوم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ] .
6- العضل وهو الإضرار بالفتاة بمنع زواجها عقاباً أوحمقاً وسوء فهم وتقدير وقد يكون المنع طمعا في مالها أو خوفاً عليه أو انسياقاً خلف عادات ما أنزل الله بها من سلطان قال صلى الله عليه وسلم [ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ ]
7- الأثر الذي لا يُنكر لوسائل الإعلام وقد عزا بعض الشباب انصرافهم عن الزواج إلى بعض الفضائيات التي تزهد الرجال بالنساء من خلال عرض صور الفاتنات اللاتي يخيل للشباب بانه لا يوجد في النساء مثلهن وهؤلاء النسوة يقضين ساعاتٍ طويلةً للتزين على يد خبراء في تزيين الوجوه وتزييفها. وكذلك تزهيد النساء بالرجال لما يرين خلف الشاشات من صور الشباب المترف المتأنق المثقف المقتدر ماديـاً و" الرومانسي " للغاية وهذا ما لا يوجد في الحقيقة .
8- وجود بدائلَ غيرَ شرعيةٍ للتنفيس عن الشباب فكم من خليلةٍ منعت الشُبان من حليلة كما أنَّ رواجَ سوق الفاسقات في بعض الدول منعَ زواجَ العفيفات الغافلات .
9- الأحلام الوردية الخيالية التي ترسمها بعض البنات لشريك المستقبل ومثله الصفات التعجيزية التي يطلبها الشاب في رفيقة حياته وعجباً لمن يعترفُ بنقصه كيف يبحثُ عن كاملٍ يستحيل وجوده ؟
10- الدراسة وهو سببٌ يُذكر على استحياء فمتى كان العلم ضد الزواج ولو كان فأيهما أولى للفتاة التي تسري غريزة الأمومة في روحها قبل جسدها ومن راقب طفلةً صغيرة وجد مصداق ذلك في حنانها مع ألعابها .
11- بعض العادات والتقاليد الاجتماعية الموجودة في بعض المدن والعوائل ومنها حجر البنت لابن عمها وحرمان الصغيرة من نصيبها بحجة وجود أختها الأكبر إضافةً إلى بعض شروط المساواة والكفاءة في جوانب المال والتعليم والإعراض عن الزواج الجماعي أو المختصر.
12- مرورُ أحد أقارب أو معارف الفتى أو الفتاة بتجرِبةٍ سيئة أدت إلى رفضه أو رفضها الزواج وهذا سببٌ نادر .
13- غياب هذا الموضوع عن وسائل التأثير والاتصال والتوجيه وإن كان حاضراً بدرجة لا تكفي وطريقةٍ غير مرضية أحياناً.
14- رَفْضُ التعدد من قبل الفتيات والإحجامُ عنه من قبل الرجال ونظرة بعض المجتمعات له بشيء من الريبة والتنقص بسبب تشويه الإعلام له عبر المسلسلات وإبراز الصور غير الناجحة فيه وغيرها وكذلك سوء تطبيقه من قبل بعض الرجال الذين ليسوا مؤهلين للتعدد ولا يصلحون له .
15- أنَّ الأثرياء والمحسنين لم يلتفتوا إلى هذا الجانب في الهبات والأوقاف والصدقات والزكوات بالشكل المطلوب والمأمل منهم .
16- تشويه صورة الزواج عبر ما يعرض من المسلسلات على أنه شبح ومسئولية عظيمة وارتباط وقيد وما يذكرونه من مشكلات الزواج وسلبياته التي يزعمون ولا يتطرقون إلى محاسنه ومنافعه
قال العلامة الجزائري محمد البشير الإبراهيمي [ أعضل هذه المشاكل وأعمقها أثراً في حياة الأمة وأبعدها تأثيراً في تكوينها مشكلة الزواج بالنسبة إلى الشبان فالواقع المشهود أن الكثير من شبابنا - وهم أملنا وورثة خصائصنا- يعرضون عن الزواج إلى أن يبلغ الواحد منهم سن الثلاثين فما فوق ويترتب على ذلك أن الكثيرات من فتياتنا يتعطلن عن الزواج إلى تلك السن فيضيع على الجنسين ربيع الحياة ونسماته وأزهاره وبهجته وقوته ويضيع على الأمة نبات ذلك الربيع وثمر الخصب والنماء والزكاء فيه ثم تضيع بسبب ذلك أخلاق وأعراض وأموال وإذا زادت هذه الفاشية فشواً واستحكم هذا التقليد الفاسد فإن الأمة تتلاشى في عشرات من السنين ] .
هذه بعض العوائق والعقبات التي تعيق الشاب والفتاة وتقف حجر عثرة في طريق الزواج أو إتمامه مما جعل في المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومئرز الإسلام عدد الفتيات اللاتي فاتهن الزواج أكثر من مليون وخمسمئة ألف والذي من نتائجه ما نسمعه من خطف للفتيات والفتيان بل والاعتداء على الغافلات في بيوتهن .
ومع هذا فان لهذه المعضلة والداء الخطير حلولا ومن ذلك :
1- الحث على تقليل المهور وتيسيرها وعدم المغالاة فيه وكذلك نفقات الزواج من حفلة العرس وغيره كأن تتبني العائلة أو القبيلة أو أهل البلد الواحد تحديد مهر معين لا يخالفه أحد من الأفراد وكذلك بالنسبة لتكاليف حفلة العرس قال سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله [ يكره التغالي في مهور النساء ويسن التخفيف في ذلك والتيسير ولكن لايحرم المهر على المرأة ولو كان فيه مغالاة ] وقال أيضا [ اذا اصطلحت القبيلة في هذا الامر على مهر اتفقوا عليه لصالح نسائهم وشبابهم فلا يجوز لواحد ان يخالف هذا الاصطلاح والاتفاق الذي وقع في مصلحة الجميع اذا اتفقت القبيلة أو أهل القرية على مهر معين لصالح شبابهم وفتياتهم فالواجب على كل واحد منهم ان ينفذ هذا الامر الذي اتفقوا عليه وان لايخل به ....] .
2- تفعيل قرار هيئة كبار العلماء وفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء وأصحاب الفضيلة العلماء بالنسبة لتخفيض المهور وحفلات الزواج والاعتدال وعدم المغالات فيها قال صلى الله عليه وسلم [ أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ] وأن يعلم ولي الفتاة أن المغالات في الزواج سيجعل الزوج يتحمل ديونا يترتب عليها كره العيش مع الزوجة وقد يظلمها ويضيق عليها حتى تطلب الطلاق منه فيسترجع مادفعه من أجلها وان لم يظلمها ففي أحسن الأحوال فانه كلما رأها سيتذكر ديونه ولن يعيشا عيشة رضية هانية .
3- نشر ثقافة المهر المعتدل والزواج العائلي المختصر ورفع مستوى التفكير والفهم لدى الأولياء والأسر ومن ذلك قيام كبراء الأسر ومشايخ القبائل ووجهاء المجتمع بتطبيقه على أنفسهم حتى يكونوا موضع القدوة الفعلية لا القولية قال صلى الله عليه وسلم [ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ] .
4- إيجاد أوقاف خاصة لمساعدة من يريد الزواج بشرط أن يكون الشاب قد عقد زواجه وكذلك من تحمل ديونا جراء الزواج وحث التجار وأصحاب الأموال على ذلك .
5- نشر ثقافة أن يبحث ولي الفتاة عن زوج صالح لابنته يعفها ويسترها وتوضيح أن ذلك ليس فيه باس ولاعيب بل إن عمر بن الخطاب قد عرض ابنته زينب على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . بل هو حق للفتاة على وليها .
6- تشجيع الزواج المبكر وتوعية الناس وحثهم على المسارعة في تزويج أبنائهم والمبادرة إلى ذلك وأنهم متى بلغوا سن التكليف فإنهم قد خلفوا الطفولة ورائهم فالطفل أصبح رجلا والطفلة أصبحت امرأة قال سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله [ فالواجب على كل شاب وعلى كل فتاة البدار بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة واذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب فليبادر عملا بقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ] متفق على صحته وهذا يعم الشباب من الرجال والفتيات من النساء وليس خاصا بالرجال بل يعم الجميع وكلهم بحاجة إلى الزواج ] .
7- تشجيع حفلات الزواج الجماعي حتى تنخفض تكلفة الزواج وهذه لها وجود في عدة مناطق في بلادنا ومن التشجيع حضور العلماء والمسئولون والوجهاء لهذه الحفلات ومشاركة أبنائهم من ضمن المحتفل بهم وكذلك إبرازها إعلاميا والثناء عليهم .
8- تشجيع التعدد وبيان فوائده للجميع من إعفاف النساء وخصوصا الأرامل والمطلقات والأيتام ومن بهن إعاقات وكفالتهن [ لمن تتوفر فيه شروط التعدد شرعا ] فالنساء كثر وفي بعض الرجال عللٌ مانعة من الزواج وما انصراف الناس عن التعدد إلا بسبب الوهم الملقى في روع الرجال والنساء ولم تكن العنوسة مشكلة في جيل الصحابة – رضوان الله عليهم- ومن بعدهم بل كانت المطلقة والأرملة تتزوج بمجرد انتهاء عدتها ومن نساء الصحابة مَنْ تزوجت أربعة من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين .
9- وضع مساعدات خاصة للزواج من المطلقات والأرامل وذوات الإعاقة ونحو ذلك تشجيعا للزواج بهن .
10- توفير المساكن الخيرية المؤثثة بأسعار معقولة تغطي صيانتها حتى لا تكون الندرة والغلاء سبباً لتأخير الزواج و أن لا تكون مشاريع الإسكان الخيري مقصورة على العوائل الفقيرة بل تشمل المقبلين على الزواج وحث الموسرين على المساهمة في ذلك .
11- إعطاء الأولوية للمتزوجين من الشباب في القبول في الجامعات كميزة تشجيعية وكذلك في التوظيف سواء الحكومي أو الأهلي .
12- الحرص على التقليل من الزواج من الخارج – وما وجد إلا بسبب المغالاة – والتشديد على ذلك فبنت البلد أولى بالزواج واعفافها فالأقربون أولى بالمعروف .
13- السكن مع الوالدين أو سكن مجموعة من الإخوة في مسكن واحد إذا كان المنزل يسمح بذلك خاصة إذا كان الشاب لا يقدر في الوقت الحاضر بان يستقل بمنزل خاص خاصة مع الغلاء المتسارع .
14- عدم المبالغة والمباهاة في السكن وتأثيثه .
15- طَرْقُ موضوع الزواج من قبل الخطباء والمربين والعلماء على مدار العام وليس في مواسم الزواج فقط .
ختاما : ليت من يغالي في المهور وتكاليف الزواج ويحرم الشاب والفتاة من الزواج يدرك أن هذا الأمر فيه خطر عظيم على الأمة حيث أنه إذا حرم الشاب او الفتاة من الزواج وهو أمر فطري جبلوا عليه فإنهم سيبحثون عن إشباع غريزتهم من طريق غير شرعي – ولا نتهمهم – لكن مع كثرة المغريات والفتن قد يضعف المرء فتكثر جرائم الخطف والاغتصاب وتكثر الامراض ثم انه سيقل عدد أبناء الوطن تدريجيا إذا قل الزواج فكيف سيتطور ويتقدم الوطن بل كيف سيحافظ على ماحققه اذا لم يوجد من يحافظ عليه ويكمل المسيرة ؟
وقديما قيل [ إنما العزة للكاثر ] .
قال الشاعر :
لايرتقي شعب الى أوج العلا مالم يكن بانوه من أبنائه

بحث سريع