دولة الأشراف السليمانيون الحسنيون بالحجاز

بواسطة | عاتق بن غيث البلادي
2008/03/24
5- الشريف أبو الطِّيب، وقومه السليمانيون، ودولتهم من (453-455هـ/ 1061-1063م):
وهم الطبقة الثانية من أشراف الحجاز. ينسب الأشراف السليمانيون إلى جدهم سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما([36]).
سكن السليمانيون مكة المكرمة بجوار بني عمهم الموسويين، فلما توفى شكر بن أبي الفتوح الموسوي، سارع السليمانيون إلى الاستيلاء على الحكم، فكونوا دولة لم تدم طويلاً كما سيأتي، فهاجمهم بنو عمهم الهواشم فانتزعوا ملك مكة منهم، فجلى السليمانيون إلى المخلاف السليماني (منطقة جازان اليوم) فانتشروا هناك ثم صارت لهم دول في ذلك المخلاف، ولهم اليوم فروع منتشرة في منطقة جازان ومحافظة القنفذة التابعة إمارة مكة المكرمة، من أهمها: آل القطبي، وآل الخواجي، وآل الذروي وغيرهم، وفي محافظة القنفذة:: آل ابن حمزة، الفداحية، آل شبير، وغيرهم.
أبو الطيِّب: يقول صاحب العقد الثمين، في باب الكنى: (8/57): أبو الطيب ابن عم أبي الفتوح الحسني أمير مكة.
ذكر بعض المؤرخين أن الحاكم العبيدي ولاه الحرمين لما خرج ابن عمه أبو الفتوح عن طاعته ولعله، والله أعلم، أبو الطيِّب بن عبد الرحمن بن قاسم بن أبي الفاتك بن داود ابن سليمان بن عبد الله بن عبد الله بن موسى ابن عبد الله بن الحسن (المثنى) بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
قلت: هذا التسلسل -فيما يبدو- هو الصواب، غير أن محقق العقد، قال: كذا تكرر عبد الله، -أي عبد الله بن عبد الله- في الأصول، وقد ذكر ابن حزم في الجمهرة أولاد موسى بن عبد الله بن الحسن… الخ، ولم يتكرر فيها عبد الله كما تكرر في (أصول العقد الثمين).
وتمام نص الفاسي في العقد: هكذا رأيت أبا الطيّب هذا منسوباً في حجر بالمعلاة، مكتوب فيه إنه قبر يحيى بن الأمير المؤيد بن الأمير قاسم بن غانم بن حمزة بن وهَّاس بن أبي الطيب، وساق بقية النسب كما سبق.
وذكر ابن حزم في الجمهرة -القول للفاسي- أبا الطيب هذا، وساق نسبه كما ذكرنا، إلا أنه أسقط -في النسخة التي رأيتها في الجمهرة- قاسماً، بين عبد الرحمن وأبي الفاتك، ويسمى أبا الفاتك عبد الله.
وذكر أن لعبد الرحمن اثنين وعشرين ذكراً، فذكرهم وذكر أبا الطيب فيهم، ثم قال: سكنوا كلهم أذَنَة، حاشا نعمة وعبد الحميد وعبد الكريم، فإنهم سكنوا أمج بقرب مكة. ولعل سكناهم أذَنَة للخوف من أبي الفتوح بسبب تأَمُّر أبي الطيب بعده. وأستبعد -والله أعلم- أن يكون الذي ولاّه الحاكم عِوَض أبي الفتوح أبا الطيب بن عبد الرحمن، لكون ابن جرير لم يذكر لأبي الطيب بن عبد الرحمن ولاية.
وذكره الشريف النسابة محمد بن محمد بن علي الحسيني في «أنساب الطالبيين» من بني أبي الفاتك هذا، وعد فيهم قاسماً وعبد الرحمن، قال: في كل منهما له عدد، إلا أنه قال في عبد الرحمن: أعقب من ولده لصلبه أحد عشر ذكراً، فيحتمل أن يكون والد أبي الطيب كما ذكر ابن حزم، ويحتمل أن يكون عم أبيه، واشتركا في الاسم. انتهى ما نقلناه على صاحب العقد الثمين. وهنا تعلقيان:
1- ذَيَّل محقق العقد على (أَذَنة) فقال: بالتحريك، ويقال أيضاً بكسر الذال، بلد من الثغور قرب المصيصة. قلت: وكان يذكر لفظ (أَذَنة) قرب حائل. وفي فلسطين (أُذْنة) قرية آهلة رأيتها سنة (1377)، أما أذنة الثغور فتعرف اليوم باسم (أَطَنة): وفي المعاهدات بين الحسين بن علي والإنجليز حددت بلاد العرب الواجب تحريرها من عدن إلى أطنة، وهذه كانت من بلاد الروم، فيستبعد أن يستوطنها الأشراف آنذاك، ولعل الصواب (أُذنة) في فلسطين لأنها من بلاد الشام.
2- قوله: حاشا: نعمة وعبد الحميد وعبد الحكيم، فإنهم استوطنوا أمج.
أقول: يعرف أمج اليوم بخُليص، وليس فيه أحد من هذه السلالة.
أما صاحب خلاصة الكلام فقد قال -في معرض كلامه- عن شكر المتقدم: ولم يخلف بعده إلا بنتاً، فولي الأمر بعده (عبدٌ له)، فغضب لذلك بنو الطيب المتقدم ذكره([37]) فانتزعوا الملك منه، ووقعت بينه وبين بني أبي الطيب مظالم وأشياء يطول الكلام بذكرها، وكان ممن ولي مكة من بني الطيب محمد بن أبي الفاتك بن عبد الرحمن بن جعفر([38]).
وفي سنة (455هـ) قدم إلى الحج صاحب اليمن علي بن محمد الصليحي، فدخل مكة في سادس ذي الحجة وملكها وانتزعها من بني أبي الطيب، واستعمل العدل والإحسان لأهل مكة فرخصت الأسعار واستراح الناس جداً وكثر الدعاء له، واستمر بمكة إلى يوم عاشوراء، وقيل إلى ربيع الأول، فقام الأشراف الحسنيون عليه، وقالوا له: أخرج إلى بلدك واجعل لك بمكة نائباً. فجعل على مكة محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن هاشم. انتهى مختصراً. (خلاصة الكلام: 18).
قلت: وفي هذا التأريخ بدأت دولة الهواشم، الطبقة الثالثة من أشراف الحجاز.
أما العصامي فيذكر ما فيه بعض الخلاف عما تقدم، فيعقد عنواناً بارزاً، فيقول:
ذكر دولة السليمانيين، ومنهم آل أبي الطيب([39]):
قال ابن خلدون: وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن سليمان، وليس هو سليمان ابن داود بن المثنى، لأن ذاك ذكر ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون، وبين العصرين نحو مائة سنة، فيبعد أن يكون محمد بن سليمان هذا هو محمد بن سليمان بن داود القائم بالمدينة، إلا أنه من ولده([40]).
كان أول من خطب لنفسه بالإمامة محمد ابن سليمان (هذا) سنة (301 م) أيا المقتدر العباسي، وخلع طاعة العباسيين وخطب في الموسم، فقال:
الحمد لله الذي أعاد الحق إلى نظامه، وأبرز زهر الإيمان من أكمامه، وكمَّل دعوة خير الرسل بأسباطه لا ببني أعمامه، صلى الله عليه وعلى آل الطاهرين، وكف عنهم ببركته إساءة المعتدين وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين، ثم أنشد:
لأطلبنّ بسيفي ما كان للحق دينا
وأسطونّ بقومٍ بغوا وجاروا علينا
يهدون كلّ بلاءٍ من العراق إلينا
وكان يلقب بالزيدي نسبة إلى نحلته من مذهب الإمامية.
قلت: وهذا الثائر في نهايته غموض، فلم أجد من ذكر هذه النهاية، غير أن أمره لم يدم طويلاً، ولعله قتل في تلك السنة أو التي بعدها. والله أعلم.
أما محمد بن جار الله أو محمد جار الله ابن محمد نور الدين، صاحب الجامع اللطيف، فيقول([41]): ثم ولي مكة بعد شكر بنو أبي الطيب الحسينيون([42])، وهم الذين يقال لهم السلمانيون، من جماعة شكر، ولم يذكر الفاسي عدتهم (أي مدة حكمهم)، ثم ولي مكة علي بن محمد الصُّليحي صاحب اليمن، وذلك في سنة (455هـ) في شهر ذي الحجة، وأظهر العدل… (إلى آخر قصة الصليحي المتقدمة). ثم ولي بعده نائباً أبو هاشم محمد بن جعفر بن محمد… (إلى آخر ما سيأتي في دولة الهواشم). أما الشيخ السباعي([43]) شيخ مؤرخي مكة في هذا العصر، فذكر دولة السليمانيين، فقال: الطبقة الثانية من الأشراف «السليمانيون».
ولم يدم حكم العبد طويلاً في مكة([44])، لأن السليمانيين، أصحاب الطبقة الثانية من الأشراف، لم يلبثوا أن قبضوا على أزمة الأمر بعد أن أجلوا العبد عن الحكم، وأجلوا بذلك جميع الموسويين من الأشراف حكام الطبقة الأولى([45]).
ثم يقول: ولم يتمتع السليمانيون طويلاً بهذا الحكم، فقد اقتحم عليهم الصليحي صاحب اليمن بعد سنتين من استئثارهم بالحكم، ولم يذكر مؤرخو مكة أسماء من تولى مكة منهم إلاّ اسم محمد بن عبد الرحمن من أحفاد أبي الفاتك. أ هـ، ما قاله السباعي. وقد ذيل في هامش ص (201) بقوله: هم أولاد سليمان بن عبد الله بن موسى الجون.. الخ.
قلت: وظاهر الغموض في تأريخ هذه الأسرة، ولعل ذلك يرجع إلى عدة عوامل، منها:
1- عدم وجود مؤرخين آنذاك في مكة يرصدون الحوادث أولاً بأول.
2- حداثة الدولة، ذلك أن قصر مدة الدولة لا يمكِّن المؤرخ من تدوين حوادثها، بل إن قصر المدة مما يزهد في ذلك، لعدم انتفاع الناس بها وعدم استقطابها للفئات النابهة، كما أن الدولة المتغلبة كثيراً ما تصل إلى هذا المكان بالإكراه وإرهاب الأمة، وقسرها، كما هو مشاهد في كل عهد جديد، مما يجعل الدولة مبغضة من فئات الأمة، ولذا فهم إما يهملونها أو يلصقون بها ما لم تأت، وهذا مقروء ومشاهد، إلا أن هذه الأسر الشريفة لها أثر روحي قد يجعل الكثيرين يتورعون من بهتها ومنابذتها، فيكون إهمالها أهون عليهم.
3- خمول سبق قيام الدولة لما كان يتلقاه العلويون من الدولة العباسية من سجن وتشديد بلغ من القسوة أن ولد لنا الباطنية والمدعية، ولذا أُبهم على المؤرخين الأمر واختلفوا في عدهم إلى موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى، على أن ذريتهم اليوم يحتفظون بمشجرات صحيحة وسليمة العد، لا يتطرق إليها الشك.
وأخيراً لم أرد من ذكر ولادة أبي الطيب ولا وفاته، ولم يصرح أحد أنه استلم الحكم إلا ما تقدم في أخبار أبي الفتوح، وخروجه على العُبيدي.
ولم أر من ذكر مدى اتساع دولة السليمانيين، غير أنه من الواضح أنهم لم يجمعوا بين الحرمين، يؤخذ ذلك من قول صاحب تأريخ أمراء المدينة المنورة([46]): حيث ذكر أن محمد بن جعفر -أحد طبقة الهواشم- أمير الحرمين سنة (463هـ)، وأول ولايته لمكة سنة (455هـ)، وهو ما سيأتي إن شاء الله.
أي أن محمداً هذا هو الذي ورث السليمانيين ثم لم يبسط نفوذه على المدينة إلا بعد ثمان سنين، فلوا أن السليمانيين كانوا قد جمعوا بين مكة والمدينة كان مستبعداً انفصال المدينة في هذه السنوات، والله أعلم.
انتهى بحث آل أبي الطيب من الأشراف السليمانيين، وبنهايته انتهت الطبقة الثانية من أشراف الحجاز.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
6- الشريف ابن وهَّاس([47]) ( – هـ/ – م):
حمزة بن وهّاس بن أبي الطيب، الشريف السليماني، الشهير بابن وهاس، ممن حكم مكة أو ترأس السليمانيين في آخر عهدهم.
لم أجد من ترجم له فيما بين يدي من مراجع، ولكن له نبذاً هنا وهناك، وذكره عند السادة السليمانيين نابه، ويعدونه أشهر أسلافهم بعد جدهم سليمان، وإن كان جده أبو الطيب أشهر منه عند المؤرخين. ونظراً لهذه الشهرة لم يسعني تجاهله، فإليك نبذاً مما ورد عنه في بعض تواريخ مكة.
التقي الفاسي، لم يذكره في العقد رغم أنه ذكر حفيده الآتية ترجمته، ولكنه ذكره في شفاء الغرام([48])، فقال -بعدما ذكرناه في ترجمة أبي هاشم اللاحقة-: فقصده الحسنيون بنو سليمان مع (حمزة ابن أبي وهاس) كذا قال الفاسي (ابن أبي وهاس)، والصواب ابن وهاس من طرق كثيرة، منها: ترجمة حفيده التالية. ثم يقول: ولعل بني أبي الطيب المشار إليهم في هذا الخبر، من أولاد الطيب الذي ذكرنا نسبه، ولعل حمزة ابن أبي وهاس (ابن وهاس) المذكور في هذا الخبر أيضاً حفيد أبي الطيب المشار إليه، لأن ذلك يوافق ما في الحجر الذي رأيته بالمعلاة([49]). والله أعلم.
ثم أحال الفاسي على (المرآة) حوادث سنة (455هـ). فإذا كان يقصد مرآة الجنان لليافعي، فإن هذا الخبر لم يرد في حوادث السنة المذكورة، ولا قبلها بسنوات ولا بعدها بمثل ذلك، وهي السنوات التي كان للصليحي كلمة فيها على مكة.
وقال عبد العزيز بن فهد([50]) -ولعله عن الفاسي نقل، بعد خبرصص -: أفام نائباً عنه بمكة محمد بن أبي هاسم، فقصده الحسنيون بنو سليمان مع حمزة بن أبي وهاس.. إلى آخر رواية الفاسي المتقدمة.
ثم قال([51]): وذكر صاحب المرآة ما يقتضي أن بني أبي الطيب ملكوا مكة بعد شكر، وهذا خبر تقدم وبعده ما يوضحه. في مكان آخر, قال([52]): وهذا الذي ذكره صاحب المرآة يتضمن ولاية ابن أبي الطيب لمكة بعد شكر، ثم ولاية الصليحي لها، ثم ولاية ابن أبي وهاس.
وفاته: بما أنه لم تصل إلينا ترجمة لحياته، فمن الحاصل ألا يكون لدينا تأريخ لوفاته، ولكن من الثابت أنه عاصر كلاً من أبي هاشم محمد بن جعفر، وأمير اليمن: علي بن محمد بن علي الصُّلَيْحي، فالأول توفي سنة (586 أو 587هـ)، أما الثاني (الصُّلَيْحي) فقد توفي سنة (573هـ).
ولكن يبدو أن المرآة التي ذكرها الفاسي هي (مرآة الزمان) لسبط ابن الجوزي المتوفى سنة (654هـ) وهو كتاب ليس بين يدي، ولكن لا أعتقد أن الفاسي ترك مما يخص حمزة شيئاً في ذلك المرجع.
أما ابن عنبة، فقال: أبو الطيب داود بن عبد الرحمن، وذكر أنهم في عهده في المخلاف، وعد منهم بني وهاس، وسبعة بطون غيرهم([53]).
ثم قال: وأعقب وهاس بن أبي الطيب: محمداً وحازماً ومختاراً وصالحاً وحمزة. ولحمزة بن وهاس هذا صارت مكة، بعد وفات شكر.
ثم قال: وقامت الحرب بين بني موسى الثاني (الهواشم) وبين بني سليمان مدة سبع سنين، حتى خلصت للأمير محمد بن جعفر أبي هاشم، ولم يملكها من بني سليمان سوى حمزة بن وهاس.
قال مؤلفه: وهذا النص فيه:
1- إنه حمزة بن وهاس، وليس كما قال الفاسي (ابن أبي وهاس).
2- غالب هذا النص لم يرد في تواريخ مكة المتقدمة، وما ورد هنا يشوبه التشويش، وقول ابن عنبة عليه المعول لأن رسالته هذه متخصصة في أنساب آل أبي طالب([54]). وبهذا يكون قد انجلى كثير من الغموض الذي كان يكتنف هذا البحث، ولكن تظل وفاة ابن وهاس غي معروفة لدينا، ولعل ذلك يعود إلى انتقاله إلى اليمن، وبعده عن المؤرخين فغمض عليهم.
وجاء في رسالة الطالبة إلهام سراج عمر أكبر، المقدمة لنيل درجة الماجستير في (بلاد ينبع) لسنة (1419 هـ/1999 م) جاء ذيلاًَ ص (122): (حمزة بن وهاس هو أبو الطيب داود بن عبد الرحمن بن قاسم بن أبي الفاتك عبد الله بن داود بن سليمان… الخ.
قلت: كيف يكون حمزة أبو الطيب داود.. الخ؟ وأحلت على ابن عنبة ص (224، 225). ولكن محل الإحالة لم يظهر فيه ما ذكرت، بل قال: وأعقب وهاس بن أبي الطيب ستة رجال. ومعنى ذلك: أن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب. والله أعلم.
7- الشريف علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن وهاس، من الأشراف السليمانيين، وكان من آخر من بقي منهم في مكة. ( – 550هـ/ – 1155 م).
ذكره التقي الفاسي([55])، نقلاً عن العماد في الخريدة([56])، فقال: من أهل مكة وشرفائها وأمرائها، من بني سليمان بن حسن، وكان ذا فضل غزير، وله تصانيف مفيدة، وقريحة في النظم والنثر مجيدة. قرأ على الزمخشري([57]) بمكة وبرز عليه، وصرفت أعنة طلبة العلم بمكة إليه. توفي في أول ولاية الأمير عيسى ابن فليتة أمير مكة، في سنة ست وخمسمائة، وكان الناس يقولون: ما جمع الله بين ولاية عيسى، وبقاء علي بن عيسى.
أنشدني له من قطعة:
أهــلا بــها مــن بنـات فـكر
إلـى أبـي عـــذرهن صاد([58])
وله مرثية في الأمير قاسم، جدّ الأمير عيسى. انتهى ما ذكره العماد من خبره، وسنذكر هذه في ترجمة قاسم.
ومن شعره ما ذكره الحافظ أبو طاهر السلفي في «معجم السفر» له، وقد روينا عن الحافظ أبي طاهر السلفي. قال: أنشدنا أبو بكر شهم بن أحمد بن عيسى الحسني المكي بديار مصر. وذكر أنه كتب عنه أشياء من الشعر لابن وهاس لغرابة اسمه، قال: أنشدني أبو الحسن علي بن حمزة لنفسه بمكة:
وسائلةٍ عني أهَلّ هو كالذي
عهدنا صرومَ الحبلِ ممن يجاذِبُه
أم ارتجعتْ منه الليالي وربما
تُفَلِّلُ من حد اليماني مضاربُهْ
فقلت لـها إنـي لتـرَّاكُ مـنـزٍ
إلى حبيب حين يزوَرُّ جانبُهُ
ومن شعره ما مدح به شيخه أبا القاسم الزمخشري حيث يقول:
وأحرِ بأن تزهو زمخشَر بامرئ
إذا عُدَّ من أُسدِ الشرا زَمَخَ الشرا
جميعُ قرى الدنيا سوى القريةِ التي
تــبـوأها داراً فِـداءَ زمـخـشرا
وللزمخشري في ابن وهاس يمدحه:
ولولا ابنُ وهاس وسابق فضلِهِ
رعيتُ هشيماً وانتقيت مُصَرَّدا
ولأجل ابن وهاس صنف ابن حزم «الكشاف».
وبلغني عن شيخنا القاضي مجد الدين الشيرازي، أن ابن وهاس هذا، اسمه: عُلَيّ([59])، بضم العين المهملة وفتح اللام تصغير علي، وهذا بعيد أن يقع من الأشراف، لفرط حبهم في علي رضي الله عنه، فلا يصغرون اسمه، ولم أر ذلك في شيء من الكتب المؤلفة في «المؤتلف خطاً والمختلف لفظاً» وقد ذكروا فيها من هو دون ابن وهاس، والله أعلم.
وكان ابن وهاس هذا إمام الزيدية بمكة، كذا ذكر ابن المستوفي في «تاريخ إربل» في إسناد حديث رواه عن الشريف تاج العلاء أبي زيد الأشرف بن الأعز بن هاشم الحسيني عنه، عن أبي طاهر المخلص، وقال: هكذا أملى علينا هذا الحديث، تاج العلاء، وقد سقط بين «السليماني» يعني ابن وهاس، وأبي طاهر، لأنه لا يتصور أن يكون السليماني أدرك أبا طاهر. انتهى.
ومن الفوائد المنقولة عن ابن وهاس، أن «وادي الزاهر» أحد أودية مكة المشهورة، فيما بين التنعيم ومكة، هو «فخ» الذي ذكره بلال رضي الله عنه في شعره.
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بـفخ وحـولـي إذخـر وجليل
قال ومؤلفه: وقد علق على الترجمة محقق العقد الثمين، هكذا: وقد ترجم له أيضاً الصفدي في الوافي بالوفيات (القسم المخطوط) وقال: «توفي سنة نيف وخمسين وخمسمائة، وهو في عشر الثمانين وأصله من اليمن».
كما ترجم له عمارة اليمني في آخر كتابه «المختصر المفيد في أخبار زبيد» قسم الشعراء. وذكره ياقوت في معجم البلدان (مادة زمخشر) حين تحدث عن ابن حزم. وكذلك فعل القفطي في إنباه الرواة (3: 365).

قال مؤلفه: أما تسميته بعُلي، بالتصغير، فلعلها كانت من باب تدليل الوالدين في صغره، فهذه من عادة العرب عامة وأهل الحجاز خاصة، فهم يدللون واصلاً بوصيل، ومن حُمِّد بحُمَيْد أو حُمَيْدان.. الخ. أما قول صاحب الوافي بالوفيات: وأصله من اليمن. قد لجأوا إلى المخلاف السليماني، فظنه موطنهم الأصلي، وأن علياً هذا كان مجاوراً بمكة، وليس كذلك، فهو من السليمانيين الذين صارت لهم دولة بمكة، تحدثنا عنهم قبيل هذا.

بحث سريع