بلوى النسابين !

بواسطة | الشريف محمد بن حسين الصمداني
2009/05/02
 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على خير الورى نبينا محمد وعلى آله و صحبه ومن اقتفى ، و بعد :
فقد ترامى لمسامعي كثيراً حكايات شتى عن عدد من النسابين المعاصرين اليوم ، وكنت أكذب بعض ذلك و لا أصدقه ، فإن إحسان الظن بالناس من شيم الكرام ، ثم ابتلينا بمعرفة بعضهم عن كثب ، فرأينا منهم عجائب و غرائب و أوابد و ذواهب سارت في الناس مثلاً .. أقل أحوالها أنها تسقط بها العدالة و المروءة..
و قد اطلعتُ أخيراً على مقال لنسابة معروف من قبيلة معروفة في الحجاز ، طعن فيه في نسب قبائل كثيرة من الأشراف ، و لفّق معلومات من هنا و هناك ، ضلّلَ بها القراء ، و زوّر الحقائق ، و طعن في أنساب و ارتكب كبيرة من كبائر الذنب ، فهو ساقطُ العدالة و الأمانة و النزاهة بما فعل .. ذلك النسابة أول من يعرف كذب ما نشر .. و هو يعلم أن تلك القبائل بريئة مما رماها به ..
و قد تأملت كثيراً في الباعث و الحامل له على ذلك ، فلم أجد سوى صرف الأنظار عنه و عن نسبه و عن إفلاسه و إبعاد التهمة عنها .. و هي صورة دفاع وتترس خلف الآخرين و توجيه الأنظار لأمور أخرى ، و هو متفقٌ مع خط له أصيل في صناعة الفتن و التحريش و الشقاق بين الأشراف ..
ولو شئتُ أن أسميه لسميته باسمه و لذكرته بلقبه ..لكن رأيتُ أن أنزه قلمي عن شأنه القبيح ، و هو معروفٌ لدينا تمام المعرفة .. ولم يكن له من مصلحة في نشر ذلك المقال إلا الدفاع عن نفسه .. و إبعاد التهمة عنها ..و صرف الناس عنه و شغلهم ببعضهم البعض .. و كان يظن أن ذلك سيكون و لكن الله قدّر شيئاً آخراً ..
و العجب أنه يدعي التحقيق والمعرفة و الأمانة ! فأي معرفة هذه و أي أمانة يحملها ؟ و لدى موقع آل البيت من الوثائق و الأدلة شيءٌ كثير ، يدان بها مثله ..!!
ما نحن فيه في هذا الزمان مليء بالغرائب و العجائب ، بعضهم يظن أن مجرد فتح منتدى أو موقع في الانترنت و كتابة اسم ( الأشراف ) أو ( السادة ) عليه كافٍ في حيازة القبول و حصول الثقة بما يقول !
و آخرون يظنون أنهم بفتح خِزانات المكتبات قد أصبحوا من أكابر النسابين ، و هم لا زالوا غير معروفين بنسب أو نشب ! والناسُ تسود الكتب فيهم !
و لهؤلاء طرائق في الحيل والتدليس ولبس الحق بالباطل ، قد لا يتفطن لها كثير من الناس .
فأحدهم لما أعيته الحيلة في التحقيق والتحرير ، لجأ إلى كتاب معروف و مشهور في الأنساب ، فصوره من المكتبة التي في مدينته ، ثم طبع على الكتاب تحقيق النسابة فلان بن فلان ..و ليس له فيه أي تحقيق مدعى بل غاية ما صنع أنه صور الكتاب صورة طبق الأصل ، و أخرجه مخطوطاً كما وضعه ناسخه ، ثم قال على غلافه أنه من تحقيقه ، فأي تحقيق هذا ؟ لكن هذه وسيلة الشهرة و جلب الأنظار إليه ، و جر البساط من تحت الناس !
و آخر لما صرفت عنه الوجوه ولم يوف مقامه –كما يظن – حارب بعض الجهات الخيرية ، و اتهمها باستغلال اسم آل البيت و المتاجرة به .
و أما استغلال و سرقة أبحاث الآخرين وكلامهم فهو كثير ، و قد رأيت من ذلك شيئاً كثيراً ، و كم أحضر لي الإخوان و الأصدقاء مقالات أو أبحاث لي أو لغيري ، و قد سطا عليها بعضهم ، فلا تملك إلا أن تبتسم من قوة عين هؤلاء وجرأتهم ووقاحتهم .
و كنت قد كتبتُ مقالاً قبل مدة في مجلة العرب عن عناية الزمخشري في كتاب أساس البلاغة بلغة أهل الحجاز المعاصرين له ، و تسجيله لها ، ثم رأيتُ مقالاً لأحد الأساتذة في نفس المجلة ، أعاد نشر مقالي كما هو ، و نسبه لنفسه مع تعديلات يسيرة ، و إظهار مسحة أكاديمية عليه و لم يشر إلى مقالي إطلاقاً و لو بنقد أو تصحيح !!
و آخر عمل خلاصة من بحث لي في مسألة الشرف من الأم ، فنشرها في موقع إسلامي معروف ..منسوبة إليه و لم يشر كذلك إلى أصل البحث ولا مصدره !
و أما سرقات بعض المواقع و نقلها من موقعنا المواد التي ننشرها فكثير ، بل رأيتُ أبحاثاً خاصة بنا ، تمت سرقتها من مراكز أبحاث و دراسات ونشر معروفة في مصر وغيرها .
و قد رأيت عدداً من هؤلاء النسابين يسرق أبحاثاً لي و لغيري من موقع آل البيت فينسبها لنفسه ، دون حياء و لا خجل ، و هو تشبع بما لم يعط الانسان ، و إذا لم تستح فاصنع ما شئت !
و من العجب ، أنني رأيتُ حال بعضهم يصرح أحياناً و يلمح أخرى أنه على سنة أبي بكر الصديق و عقيل رضي الله عنهما في المعرفة بالنسب ! نعم قد كان الصديق رضي الله عنه نسابةً كما رووا في سيرته بيد أنه رضي الله عنه لم يكن طعاناً لعاناً أو لصاً يأكل من وراء الأنساب بل كان مؤمناً تقياً صديقاً يخاف الله و يتقيه ، أما هؤلاء فمفسدون في الأرض ، يفجرون في الخصومة . ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهدُ الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ) …( و إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) .
و آخرون وقوف بأبواب المحاكم ، كلما بحث نسابة أمين أو مؤرخ صادق ، قالوا : اذهبوا إلى المحاكم . و هؤلاء أشبه شيء بمن قال الله فيهم ( و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين . أفي قلوبهم مرضٌ أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله ) ، ولعمر الله إن هؤلاء أشبه شيء بالمنافقين ، و خصالهم ظاهرة فيهم ، فلقد اطلعت على حال بعضهم فرأيته لا يشهد صلاة الجماعة ، و زاد بعضهم بهجر الجمعة ، و إذا حضرها ، يحضرها وهو متبرم ساخط ، و كاره لها يظهر ذلك على قسمات وجهه ؟
فكيف يؤتمن مثل هذا ؟
نسأل الله السلامة و العافية .
و بعض هؤلاء يعيش في عالم غرور و تيه و كبر و خيلاء ، و يعامل من يراه من هذا المنطلق ..؟! بل دعك من معاملتهم للبشر ، إذ إنهم يعاملون العلم والمعرفة والتحقيق والكتابة بهذه الروح و الأخلاق .
و سمعت مرة برجل منهم قرَّب رجلاً مرتشياً يأخذ المال على التوقيع على الشجرات ، فاستغربت من احتفاءه به و حرصه على حضوره ، ثم علمتُ أنه شريكٌ له في حصة المال ، فهو إن حضر يتخذه وسيلة لإظهار أنه ناصح ومحقق و أمين و ليس مثل فلان هذا الحاضر ، لكن إذا ذهب الحاضرون ، و انفض المجتمعون اتصل به ، وقال : ماذا صنعت ؟ هل وافق على دفع المال ؟ كم دفع ؟ و هكذا ..!
و أما الحسد فهو كثيرٌ فيهم ، و هو ما يفسرُ كثيراً من العداء و الخصومات بينهم ..
و بالجملة ، فهؤلاء و أضرابهم بلاء ، لا يمكن التخلص منه ، طعانون همازون مشاؤون بالنميمة والغيبة ، أكالون للمال الحرام والسحت ، و وجودهم علامة جودة الآخرين و تميزهم ، و بهم يحمد الانسان ربه على نعمة العافية والسلامة و الإيمان ، و يعرف قدر فضل الله عليه ، و كيف فضله على كثير من الناس ، و إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً .
{moscomment}

بحث سريع