الحمد لله و كفى ، و الصلاة والسلام على خير الورى ، وبعد :
فكم يأسى المرء حين يشاهد مئات الآلاف يطالبون برحيل رئيس فاسد أو إنكاراً لظلم في عقار أو مال أو مناصب أو رشاوى أو سوء إدارة ، ولا يرى لهؤلاء الآلاف المؤلفة غضبة للتوحيد و للايمان و للرسول صلى الله عليه وسلم و تطبيق الشريعة في بلدانهم و ديارهم ، و هو ما يذكرنا بمقولة أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي عندما قال : لا تنظر إلى زحامهم في عرفة بلبيك اللهم لبيك و لا عند أبواب المساجد و الجوامع و لكن انظر لموالاتهم لأعداء الشريعة !
و إن من أخطر دلائل ذلك : الاخلاد إلى الحياة الدنيا ، و الزهد في الآخرة ، .. فالذي يسيطر على لب الجماهير الحياة الدنيا ( الرفاهية ، المال ، الغذاء ، الصحة ، المتعة ، اللذة ، النظام الوضعي ، الحرية ..) أما الآخرة فهم عنها غافلون !
فأين هذه الجموع المصطفة من النصيحة لله و لكتابه ولرسوله وقت حكم أولئك المستبدين و الظالمين ؟ ما هي مواقفهم ؟ و ما هي أعمالهم في مواجهة ( إن الشرك لظلم عظيم ) !
للأسف ، لم نر كبير إنكار في السنين الخوالي لكثير من هؤلاء عن ذلك ( الشرك العظيم ) الذي كان يضرب أطنابه في كثير الجهات !
لقد رأينا مواقف لعدد من المنتسبين للعلم يمنعون من المظاهرات و المقاطعات و الاعتصامات و ينددون بها ، ويجتمعون في مؤتمرات و ندوات لأجل وأدها أو التقليل من أثرها ، .. ثم هاهم هؤلاء يطنبون و يبدعون في الدعوة إلى المظاهرات و التنديد بالمظالم ..!
و قد يتستر بعض هؤلاء – المنتسبة للعلم – برد المظالم و إنكارها و تهييج العوام و موافقتهم على أهوائهم و مراداتهم لأن الزمان لا يصلح للإنكار على عدم تحكيم الشريعة ، و أن ” المجتمع الدولي ” لن يسمح بتغيير الحكام إذا طالبنا بحكم الله و رسوله و تطبيق الشريعة ! فيقومون بتحقيق غايتهم الباطنة – إن كانوا صادقين أو جادين – عبر هذه الأحداث !
و أين هذا من حال ذلك الغلام الذي أمر الملك الظالم الكافر بأن يرميه بالسهم بعد أن يقول أمام الناس : ( بسم الله رب الغلام ) !!
فالغلام يموت و يستشهد أمام الناس لترسيخ حقيقة التوحيد ..!
و من دلائل الأحداث المعاصرة : ضعف اليقين عند كثير من المنتسبين للعلم فضلاً عن عامة الناس ..ظهر ضعف اليقين بالدين و شعائره و حقائقه الكبار ، فترى طيشاً ، و تحريفاً ، و مداهنة ، و تبديلاً لأصول الاستدلال والنظر و الترجيح و هي في خلا هاته الأوقات من أهون الأمور عند هؤلاء !
و هذا ناشيء من قلة تربية هؤلاء على مفاهيم الاسلام الصحيحة ، و لهذا ضعف يقينهم و كثر طيشهم ، و من أهم ما تغرسه التربية في النفوس : ( اليقين ) !!
لما خرج الناس على عثمان و ألبوا عليه كان البعض يستغرب من مواقف بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم من تلك الفتنة ، حتى إن بعض الجهلة كان يتهمهم بالتواطء و الموافقة ، وحاشاهم من ذلك ، و لكن الابتلاء القدري الذي كانوا فيه ضبطوه باليقين ..! فلقد احتاج الناس إليهم فيما بعد كحال علي و ابن عمر و غيرهم ، و كلٌ كان له دور فيما جدَّ من الفتن و الأحداث بعد مقتل عثمان رضي الله عنه !
و الرجل يبتلى على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ..