مذكرات الملك طلال .. وهل هو مجنون ؟

بواسطة | محمود منير
2011/03/31

 محمود منير- عمّان

تلقى “مذكرات الملك طلال” إقبالاً، هذه الأيام في الأردن، إذ تباع بصورة سرّية لدى عدد من باعة الكتب المستعملة في وسط العاصمة عمّان، بوصفها المرجع الوحيد الذي يتناول حياة الشخصية الأكثر جدلاً في تاريخ الأردن المعاصر، والذي يعتبره الأردنيون “أب الدستور”.

هذا الحنين إلى ملك لم يكد يجلس على العرش حتى أقصي، يأتي في جو سياسي عام تطالب فيه قوى الإصلاح بالعودة إلى الدستور الأردني، الذي وضعه الملك طلال عام 1952. وقد جددت هذه المطالبات الرغبة في الكشف عن الغموض الذي أحاط بحياة ورؤى ثاني ملوك العائلة الهاشمية في الأردن.

وفي حديث للجزيرة نت، يقول كاتب وناشط أردني- فضّل عدم ذكر اسمه- أن “العودة إلى صيغة دستور 52، لا تمثل خطوة جادة نحو الديمقراطية والدولة المدنية فقط، إنما يجسد تصالح العائلة الهاشمية مع تاريخها، وإعادة اعتبار لأحد أعضائها؛ فطلال لم يستمر حكمه إلا قرابة العام ( 20 يوليو/ تموز 1951- 11 أغسطس/ آب 1952)، وغادره مجبراً ليقضي بقية حياته في اسطنبول حتى توفي”.

مذكرات الملك طلال تباع بشكل سري
ويجري استنساخها في العاصمة عمان 
(الجزيرة نت)

تاريخ مخفي
صدرت المذكرات في كتاب أول مرة العام 1972 بعد وفاة صاحبها، أما الطبعة الثانية فصدرت في عام 1991 عن الزهراء للإعلام العربي، وتّوزع بنسخ مصوّرة، أو يتم تنزيلها من مواقع الانترنت الكثيرة، وتتصدرها مقدمة للناشر ممدوح رضا.

المذكرات التي أثارت الجدل تنتهي برواية أحداث تنتمي إلى العام 1964، قبل ثمانية أعوام من وفاة الملك طلال (7 يوليو/ تموز 1972) وهو تاريخ انتهاء خدمة صبحي طوقان، مرافق الملك الخاص، الذي نقلها إلى الناشر.

“الوسيطان” بين الملك والقارئ، هما المسؤولان عن صحة هذه المذكرات من عدمها، لكن ذلك لا يخفي الكم الهائل من المعلومات التي تكشف أدق التفاصيل عن الشخصيات التي تتحدث عنها المذكرات، ما يبقي الباب مفتوحا لنقض بعض أجزائها دون الإخلال بالرواية الأساسية وصحتها، وربما تشكل سندا يدعم صحة نسب مضمون المذكرات على الأقل للملك الراحل.

وتفرض “الوساطة” بعض الإضافات وهو ما يحتاج بحثا أكبر حول رضا وطوقان، لكن الأول –أي الناشر- عرف عنه “ولاءه” المطلق للمؤسسة الرسمية المصرية، إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وهذا ما يفسر إضافة “شاهد على خيانات العائلة الهاشمية” على غلاف الكتاب، أما طوقان فعرف بوصفه معارضا فضّل الإقامة خارج الأردن دون إثارة ضجة تذكر.

ويوضح رضا في تقديمه إلى نشره هذه المذكرات في مجلة “روز اليوسف” المصرية، في العام 1965، استجابة إلى رغبة أستاذه الأديب الراحل إحسان عبد القدوس، ومشيراً إلى وجودها في مكتبات جامعات عدة في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي مكتبة الكونغرس ضمن ما يحتفظ به من وثائق عربية.

الملك حسين (وسط) خلف أباه طلال
قبل أن يبلغ السن القانونية (الجزيرة نت- أرشيف) 

وثيقة ومرافق
“قيمة هذه المذكرات تكمن في كونها الوثيقة الوحيدة عن فترة غامضة جُمعت من أوراق متناثرة مهلهلة، وأضاف إليها المرافق العسكري للملك طلال، وقتئذ، بعض انطباعاته أو بعض ما سمعه من الملك ويمكن أن تعتبر تكملة للمذكرات”، يضيف الناشر.

ويؤكد الناشر أن طوقان، سكرتير الملك طلال ومرافقه العسكري الخاص، هو من سلّمه نسخة من هذه “الوثيقة التاريخية”، بعد أن وقّع طلال على كل صفحة منها في دلالة على تحمله مسؤولية نشرها.

الكاتب والناشط الأردني، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال “قد تكون صداقة طلال بمجموعات من الشباب المعارض الذي تعتبره أوساط الحكم فوضويا، وعدم مهادنته في العلاقة المتوترة مع والده وتجاهله لما هو متوقع منه كولي للعهد، قد أدت إلى اعتباره شخصاً “طائشاً”، وربما استغلت بوصفها “تصرفات غير متزنة” هيأت لاتهامه بالجنون، يضاف لها حالات “الاكتئاب” التي كانت تصيبه فتُظهره عصبياً ونزقاً”.

ويستدرك الكاتب في تصريحه للجزيرة نت بقوله “لكن أحداً من رفاق دراسته وشبابه (طلال) لم يشر يوماً إليه كمختل عقلياً؛ وحقيقة أنه تولى رعاية جده في منفاه وأنه عمل في المندوبية الانجليزية في قبرص لتأمين سبل العيش، أمر غير متوقع من رجل يعاني من مشكلة في قواه العقلية”.

ويذكر هنا أن مجلة “التايم” كانت قد نشرت مقالاً بعنوان “الملك غير السعيد” في 16 يونيو/ حزيران 1952، أثناء ذهاب الملك طلال إلى باريس، تأتي فيه على لقاء جمع الملك بوزير باكستاني أهداه ثلاث هدايا وصفها على النحو التالي: هذا دبوس من الماس يعود لجدي الشريف حسين الذي خدم بريطانيا ومات وحيدا، وهذا نسخة مذهبة من القرآن تعود إلى والدي الذي خدم بريطانيا وقُتل في مسجد، وهذا خنجري المرصع بالجواهر، وأنا أخدم بريطانيا ولا أعرف كيف ستكون نهايتي!”.

يروي طوقان كيف نجحت الملكة زين الشرف (زوجة طلال) والجنرال البريطاني كلوب باشا، ورئيس الديوان الملكي آنذاك عبد الرحمن خليفة، والوزراء وقادة الأمن وشوكت الساطي الطبيب الخاص للملك طلال في تنحية الأخير، ونقله إلى مدينة اربد الأردنية، ثم إلى مستشفى بهمان للأمراض العقلية في القاهرة.

اتهامه بالجنون
يروي طوقان، بداية، كيف نجحت الملكة زين الشرف (زوجة طلال) والجنرال البريطاني كلوب باشا، ورئيس الديوان الملكي آنذاك عبد الرحمن خليفة، والوزراء وقادة الأمن وشوكت الساطي الطبيب الخاص للملك طلال في تنحية الأخير، ونقله إلى مدينة اربد الأردنية، ثم إلى مستشفى بهمان للأمراض العقلية في القاهرة.

ويسرد طوقان الحوارات التي دارت بينه وبين طلال، والتي تدور حول رغبة زين الشرف (أم الملك حسين) في إلصاق صفة “الجنون” على زوجها الملك، إضافة إلى ما وصفه بـ “المحاولات المتكررة” لقتله، عبر تدبير حوادث سير وأخرى بقارب بحرية، وكانت ورائها الملكة، على حد تعبيره.

انتقل الملك للإقامة في مستشفى للأمراض العقلية في العاصمة التركية، اسطنبول، وهو ما ذكرّه بإقامة مماثلة في سويسرا، كان وقتها أميراً، لافتاً إلى أن صحفي سويسري أجرى معه حواراً هو من طالب من خروجه من “المصح” بعدما تأكد له سلامة قواه العقلية، خلافاً لما أراده “الملك عبد الله الأول وزوجته، وفق تعبيره.

طلال يروي في مذكراته محاولة قام بها الشريف حيدر عبد المجيد، سفير الأردن في لندن حينها، لإقناع زين الشرف والملك حسين بأنه في كامل قواه العقلية وضرورة الإسراع بإخراجه من مستشفى الأمراض العقلية بتركيا، لكنهما رفضا وأمرته الملكة بالخروج من القصر.

تكثيف الحصار
محاولة الشريف حيدر، دفعت زين الشرف إلى تكثيف حصارها على زوجها، ما أوجد تعاطفاً من مدير المستشفى مع مريضه، فأعاد الفحوصات الطبية لتثبت أن طلال معافى، لكن خروجه يتطلب “أمراً” من الأسرة المالكة في الأردن، وهو ما يبدو متعسراً!.

يضيف الملك “المتهم بالجنون” أن زيارة ابنه وزوجته له في نهاية عام 1954 انتهت بدفع رشاوى لتغيير تقرير الطبيب وإبقاء الملك في المستشفى حتى وفاته، بناء على طلبهما!

وفي الوقت نفسه، يشير أكثر من مرة، إلى منع المال عنه، رغم تخصيص الملك السعودي سعود بن عبد العزيز له 65 ألف جنيه سنوياً، و18 ألف جنيه من الحكومة الأردنية، وغيرها من الحكومة البريطانية وشخصيات عربية لغاية علاجه.

ويتحدث طلال عن اتصاله مع مجموعة الشبان الأردنيين أقاموا مظاهرات في عمّان مطالبين بعودته، و جاءوا إلى زيارته ووفروا الرشى اللازمة لتهريبه، لكنهم لم يستطيعوا الاستمرار بمبطلهم بعد القبض عليهم جميعهم.

المذكرات تقدّم أكثر من قصة حول تهريب زين الشرف للمجوهرات والأفيون، وكانت أخبارها تصل تباعا لطلال عبر مدير المستشفى المقيم فيها.

في تداعيه الحر، يصف طلال كره أبيه، الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة، له وإبعاده عن مجلسه وحرمانه من العطف والحنان، بسبب علاقته الخاصة مع جده الشريف حسين بن علي زعيم الثورة العربية الكبرى

كراهية ملكية
في تداعيه الحر، يصف طلال كره أبيه، الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة، له وإبعاده عن مجلسه وحرمانه من العطف والحنان، بسبب بعلاقته الخاصة مع جده الشريف حسين بن علي زعيم الثورة العربية الكبرى، بعد مرافقته له في أثناء فترة نفيه في قبرص، وكيفية تضييق المال عليهما.

وينوّه طلال إلى أن زواجه بالشريفة زين الشرف كان بتدبير أبيه، وموافقته عليه رغم وصفه لأخيها الشريف ناصر بـ ” القاتل” و”قاطع طرق” و”نصّاب”، ومشككا بـ “لقائها بالسفير البريطاني” منذ إعلان خطوبتهما.

يؤكد طلال في الصفحة 167 من مذكراته، بتلقيه رسالة من بعض الأصدقاء جاء فيها أن بعض أبناء فلسطين الذين يقيمون في الضفة الغربية قرروا اغتيال الملك عبد الله، بعد أن كشفوا حقيقة موقفه خلال حرب فلسطين، على حد قوله.

“التسريبات” الذي وصلته تفاجئه باغتيال أبيه، ليبدأ بعدها بتعيين شخصيات وطنية لتجاوره بالحكم، رافضا منذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد الحكم اتصال السفير البريطاني في عمان معه هاتفياً، ومنهياً مقابلته معه لتدخله بشؤون الحكم ليحدث الصدام الأول بينهما، كما يروي.

“صدام آخر” جرى بين طلال وبين كلوب، قائد القوات البريطانية في الأردن، على إثر طلب الملك إحالة 15 ضابطاً إلى الاستيداع. كما تتجه المذكرات لكشف تدخلات زين الشرف مع أخيها ناصر والسفير البريطاني وعدد من النوّاب والوزراء الأردنيين لإقصاء طلال.

مؤامرات لا تنتهي
تُفصّل المذكرات اجتماعات الملك حسين ووالدته زين الشرف في اسطنبول للتباحث حول إعلان حلف بغداد، وحول لقاءاتهما المتكررة بالمسؤولين الأتراك والأمريكيين.

من جهة أخرى، تتداول هذه الوثائق العلاقة العدائية بين زين الشرف والأميرة دينا، الزوجة الأولى للملك الحسين، وكيف استطاعت أن توصل علاقتهما الزوجية إلى الطلاق، وفق ما قرأه طلال من الصحف وما تصله من أخبار.

توفي الملك طلال في اسطنبول، ليعود إلى الأردن محمولا في كفن، دون أن يكشف عن حياته ونهايته في الرواية الرسمية للدولة الأردنية

تركز المذكرات على محاولات السلطة التركية بإقناع الملك طلال بالموافقة على حلف بغداد، إلاّ إنها باءت جميعها بالفشل، ما استدعى إعادته من القصر الذي سكنه فترة إلى مستشفى الأمراض العقلية.

تبدي المذكرات حالة انكسار عاشها طلال طوال عقدين من الزمن لم يتمكن من الوقوف في وجه مؤامرات حيكت ضده، لكنها تُوحي بـ “ضعف شخصيته” وهو ما دفع البريطانيين إلى تعيينه ملكاً ثم الرجوع عن دعمه بعد ما كشفه من مواقف.

في السابع من يوليو/ تموز 1972، توفي الملك طلال في اسطنبول، ليعود إلى الأردن محمولا في كفن، دون أن يكشف عن حياته ونهايته في الرواية الرسمية للدولة الأردنية، تماماً كما فعلت المذكرات التي لم تمط اللثام عن شخصيته، إلاّ قليلاً، ليظل الاقتراب منه محكوم بكشف أسرار لا تزال محجوبة عن الأردنيين.

المصدر: الجزيرة

 

   


 
 
 
 

اضف مشاركتك هنا:

بحث سريع