مقالات الإسلاميين في قيادة المرأة السعودية للسيارة

بواسطة | محمد بن حسين الصمداني
2011/07/04

 قضية قيادة المرأة للسيارة تأتي في وقتٍ اتسع القول فيه بمبدأ الحرية في السعودية ، حيث نفذت آثاره إلى مسائل عقدية ، و احتسابية عملية ، و غير ذلك . و تجليات الحرية في السعودية لم تبلغ أعلى مدى ممكن لها حتى الآن ، و ليس ذلك بسبب عدم وجود سقف تقف عنده مطالب الحرية ، بل يعودُ ذلك لثلاثة أمور : ضعف بناء نظرية الحرية ، و الصراع على توجيه الفكرة نحو أجندات خاصة ، و وجود مقاومة فكرية قوية داخل المجتمع . و من هنا ، فإن أي تغيير اجتماعي كبير محفوف بمخاطر تغييرات سياسية كبيرة أيضاً .
 
    لقد تعرض المجتمع السعودي لحركة قيادة المرأة للسيارة في عام 1411 إبان حرب الخليج ، و كان ردُّ فعل المجتمع – مع محدودية الأفق آنذاك – قوياً ، و كان من أبرز الردود في تلك المرحلة شريط الكاسيت للشيخ سلمان العودة : ( لسنا أغبياء بدرجة كافية ! ) . و صدرت حينئذ فتوى رسمية من كبار أهل العلم بتحريم قيادة المرأة للسيارة ، و أعلنت ذلك وزارة الداخلية ، و أصبح ذلك قانوناً ، و نظاماً يسري على الجميع ، ولم يوجد ما ينقضه حتى الآن !

   موازاةً لذلك ، خرجت حركة مواجهة و تطهير داخلية من بعض المسئولين، و أحدثت حراكاً فكرياً و نشراً لكتيبات للرد على عدد من الشيوخ و طلاب العلم ، و كان الوزير – سابقاً و لاحقاً – غازي القصيبي يتولى حملة المواجهة شخصياً . 

   يوجد الآن في السعودية مخاض للحقوق و الحريات كبير ، و تتجاذبه أطرافٌ متباينة كلٌ يريدُ أن يحسم التطبيق للمفهوم من خلال زاويته ؛ فالطرف العلماني و الليبرالي يريد أن يستبق الواقع بطرح نموذجه من خلال قيادة المرأة للسيارة ، و يجعلها مفتاحاً لمشروعه في باب الحقوق و الحريات العامة ، فمن خلال القضية سيتم خروج المرأة ، و نزع الحجاب ، و حدوث الإختلاط ، و غير ذلك . و هذا ما سترضى عنه أطراف داخلية و خارجية ، و هنا ستبدو رسالة ستة أعضاء من الكونجرس الأمريكي مفهومة عندما أيدُّوا و شجّعوا عمل منال الشريف ، و كذلك مشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية في الموضوع .

   إنّ الطرف الليبرالي في استعانته و تواصله مع الأطراف الخارجية ، يفتح باباً لكل طرف بالاستعانة بالخارج لحسم خياراته الداخلية . و لذا ، سيكون غريباً عدم استعانة الطرف الشيعي بالدور الإقليمي لإيران في الموضوع . و دخول اسم الصحفية الشيعية وجيهة الحويدر في الموضوع ، ليس لكونها مجرد شيعية ، بل لأن ذلك يأتي في سياق تحالف ليبرالي شيعي واضح للعيان ، يتم فيه تبادل الأدوار و التشجيع و التأييد في باب تحصيل الحقوق و الحريات .   

و الطرف الإسلامي ليس غائباً عن المشهد ، بل هو في لجته ، و لكنه مختلفٌ في طريقة تناوله للموضوع . هل يدخل من خلال سياق الحقوق و الحريات العامة ؟ و هل يجعل مدخله نفس قضية قيادة المرأة للسيارة أم يتبنى مدخلاً مستقلاً ؟ أم يتوقف حتى تتجلى مآلات الموضوع ؟ 

   من الإسلاميين من يدخل للميدان من خلال نفس الموضوع ، و هو موضوع قيادة المرأة للسيارة ، و يرى أنه لا مانع من استخدام القضية من باب ( و ليَ فيها مآربُ أخرى ) ، و يتبنى هذا الاتجاه تقريباً نفس ( الأجندة ) الليبرالية ، و أفضلهم من ينادي بوضع ضوابط و قيود شرعية .

   طرفٌ آخر من الإسلاميين ، يقول :  ينبغي فتح جبهة لقضية جديدة ، صادقة و مشروعة في حد ذاتها ، كقضية إيقاف المساجين دون محاكمات مثلاً ، فتكون شعاراً لمرحلة الحقوق و الحريات التي تروج الآن ، و فيها مصلحة لجميع الأطراف بدون استثناء . و هؤلاء ليسوا على درجة واحدة ، فمنهم : من يتمنى فتح أي جبهة جديدة في باب الحريات و لا تهمه قضية قيادة المرأة في نفسها ، و منهم : من ينادي بتعزيز جبهة مواجهة قضية قيادة المرأة للسيارة و إغلاق الباب على الطرح الليبرالي الذي يريد تطويع مناخ الحريات السائد و استغلاله لتوجه معين .

   و هناك من يرى : أن الأصل عدم فتح أي قضية جديدة في سياق الحقوق و الحريات العامة ، لعدم وجود مصطلح شرعي منضبط للحرية ، و لأنها قد تنحرف عن مسارها ، و يمكن أن تتولد منها مفاسد عديدة .  
 
   ذلك التحليل والرصد ، يشير إلى وصول تضخم و تشبع فكري في مسألة الحريات لدى المجتمع السعودي ، و أن ساعة الحسم قد اقتربت ، لكن ما هي محددات الحسم و كيف يتم اتخاذ القرار ؟ و إلى أين ستسير السفينة ؟ و من الذي سيقود قضية فتح باب الحريات ؟!  و هل يملك الحقوقي أو الشرعي أو السياسي رؤية فكرية واقعية محددة عن الموضوع  ؟  و ماذا يعني تصريح عدد من كبار الساسة بأن هذه القضية قضية مجتمعية سيحسمها المجتمع ؟ 

  للأسف ، من الإسلاميين اليوم من يتناول قضية قيادة المرأة للسيارة كأداة تلميع إعلامية ، لتأكيد الحضور من خلال القضية ، و إثبات موقف متقدم أو شجاع في القضية ، ثم لا يلبث أن يتراجع إذا خبى وهجها . و يعود هؤلاء للإعلام مرة أخرى محذرين أو مستدركين ، فهم مستفيدون من القضية سلباً و إيجاباً . و هذا الأسلوب الخارج عن حد احترام الذات ، لم يكن مطروحاً عام 1411 ، لأسباب كثيرة .  

   و من الإسلاميين : من نادى بمنع قيادة المرأة للسيارة عام 1411 ، و لكنه اليوم ( 1432 ) يرى الجواز ! هؤلاء بين أمرين ، إما أن يقولوا : أقوالنا في عام 1411 صحيحة ، أو يقولوا : أقوالنا في عام 1432 هي الصحيحة ! و لا يمكن الإدعاء أن كلا القولين صحيح ، بسبب ( أن الفتوى تتغير بتغير الزمان ) ، لأن السؤال حينئذ سيكون كالتالي : ما هو الوصف المؤثر في الحكم الذي أفتوا بموجبه بالتحريم في عام 1411 ؟ و هل قلَّ ذلك الوصف حتى يروا الجواز  عام 1432 أم أنَّه قد ازداد ؟ هذا مالم يوجد في كلامهم إلى الآن .

    و من الإسلاميين ، طائفةٌ ترى أنّ من الحكمة أن نتدارك المجتمع ، و نحفظ ناموس بقائه على وضع الشريعة ، فنضعُ الضوابط الشرعية قبل أن يكسر الباب بالكلية ! هؤلاء يشهدون آثار مبدأ الحرية على أخلاق الناس و عاداتهم ، و يريدون المحافظة على ما يمكن المحافظة عليه . 

   خلاصة دليل هؤلاء تقوم على أن : قيادة المرأة للسيارة حق من حقوق المرأة ، و يدخلون ذلك في قاعدة : ( الأصل في الأشياء الإباحة ) . 

 هنا يتحرك الإسلاميون المانعون للموضوع ، فيقولون : 
 
  الجواب من وجهين :

  الأول : أنَّ المدعي أنه حقٌ للمرأة ! يقالُ له : الإلزام بالحقوق و الواجبات نظير التحليل و التحريم ؟ فما هو الدليل على كونه حقاً من حقوق المرأة ؟ يقول هؤلاء : نحكمُ بمبدأ الحرية ، فهو حقٌ للجميع ، و لا مُعقِّبَ لحكم إرادات الناس ؟

   فيجيبهم أولئك من طريقين :

1.   ليس للحرية نظرية و لا مبدأ ثابت حتى الآن ! و ما يراه البعضُ ( حقاً ) ، يراه آخرون ( واجباً ) ! 

2.   أن هذا ليس من طرق الإستدلال الشرعي !
 
  الثاني : قولهم : إن الأصل في الأشياء الإباحة ! نقضوه بوضع الشروط على ما هو مباح أصلاً ، كما يقولون . و هذا تقييد لدائرة الإباحة دون مسوِّغ شرعي ! فما دام أن الأصل في العمل هو الإباحة ، فمن أين أتت هذه القيود و الضوابط ؟! و لهذا لا نستغرب من استطالة دعاة فتح باب الحقوق و الحريات بالكلية من الليبراليين و غيرهم على هؤلاء ! 

  فإنْ قالوا : قد يفضي الأمر إلى ذرائع محرمة ؛ لهذا وضعنا القيود و الضوابط ؟! فيقال : عادت المسألة لسد الذرائع إذن ، فهو يجري على الأصل الذي عليه المانعون !
  ثم إن تطبيق هذه الضوابط غير ممكن من جهتين :

  الأولى : عدم وجود الاستعدادات الكافية الملائمة لتطبيقه في الواقع .

 الثانية : أن المرأة التي يقال لها : ( هذا حقكِ ) لن تقبل بتقييد فقيه في استعمال حقها على الوجه الذي يناسبه ! خاصة و أن مدخل القضية من طريق صراع قيمي و حضاري و فكري بحت ، فلا يريدون أي سلطان عليهم إلا أهواؤهم ! 
 
لهذا ، يرى المانعون استصحاب الحال ، و هو المنع في الفتوى ، لأنه أقوى و أسدُّ نظراً .

و من الإسلاميين : من يحيلُ الجواز إلى عدم وجود أنظمة و قوانين تحرم ذلك العمل ! و معلومٌ أن طالب علم الشريعة ، عليه أن يرد جواز الحوادث و النوازل إلى الشرع ، لا إلى الأنظمة الوضعية ، فإنّ الأنظمة و القوانين يمكن أن يسأل عنها المحامون و الحقوقيون !

 و منهم : من يحيل الجواز في قيادة المرأة للسيارة إلى اختلاف العلماء ، فيخرِّج الخلاف على الخلاف ، و بهذا يكون الترجيح في المسألة بوجود الخلاف !  وهو استدلالٌ ضعيف في المسألة .

 و منهم : من يحيل جواز القيادة إلى باب الضرورات ، فيقول : قيادة المرأة للسيارة أصبحَ ضرورة ؛ و سيكون في ذلك درء للمفاسد ( منها : المنع من الخلوة بالسائق الأجنبي ) ، و جلبٌ للمصالح ( ومنها حفظ الأموال ) .

فيقول المانعون : الضرورات تقدَّر بقدرها ! 
    
 و من مسوغات قيادة المرأة عند بعضهم : أنّ قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي ! فهذه مسألةُ دفع أعلى الضررين بارتكاب أخفهما ! فيقال :كل منهما فيه  ضررٌ ، و أحدهما أضرُّ من الثاني من وجهٍ دون آخر ، و لا ضرورةتوجب ارتكاب واحد منهما ، فيبقى الأمر على ما هو عليه .

و من وجوه طرح بعض الإسلاميين : قولهم : إنَّ الدولة قد قامت بما هو أشد من السماح المشروط بقيادة المرأة و أصعب , خلال سنواتها المديدة ؟ و هذا لونٌ غريب من الإستدلال ، لأنه أقرب للاعتذار منه بدلاً من الاستدلال به ! 

 و من حرصهم : خشيتهم على المجتمع من الضغوط الداخلية و الخارجية ؟ و يصرحون بوجود ضغط داخلي من ( أصحاب الحق من النساء ومن يعينهم في هذه المطالبات  ..) !   فإذا تمَّ التمثيل بأهل التغريب أو الشيعة ! جعلوه حديث خرافة ! و هذا تناقض ؟!

   و من ذلك جزمهم بأنَّ ( هناك ضغط شرعيّ يُوجب علينا السعي إلى تحقيق فسحة الشرع بتحليل الحلال , ولنُرجع الأمر إلى حكمه الأصلي الذي طيّبه الله تعالى لعباده بإباحته لهم ) .  

   و الشريعة – كما هو معلوم – لا تضغطُ و لا تحرجُعلى المكلفين ، و الحكم بالإباحة تقدم ما فيه !  

إن الإسلاميين اليوم ، مطالبون أكثر من أي وقتٍ مضى بفحص مفهومي ( الحرية و الحق ) الذَين يستعملان استعمالاً إجرائياً دون تحقيق شرعي لمدلولهما  ، فإنّ آثار القول بهما – بشكل عام –قد اتسعت و عصفت بمسلمات و أصول شرعية مستقرة . و إنَّ خطاب الإصلاح و النهضة المكرور ، قد طعن في السن جداً ، و تكرّر استعماله لحد الإبتذال ، و إذا كانت خطة الممانعة من ثلاثين سنة لم تنجح ، كما قيل ، فهذا الخطاب النهضوي له أكثر من مائة سنة في ديار الإسلام لم يفعل شيئاً ! 

إنّ من واجب الإسلاميين اليوم تقديم رؤية مستقلة عن أي آثار خارجية أو ضغوط داخلية ، تعكس محاسن دين الإسلام و صلاحه لكل زمان و مكان ، فإن العالم أجمع في أمس الحاجة إلى تقديم النموذج الإسلامي المتوازن ، و لن يكون ذلك إلا بالإنطلاق من أدلة الكتاب والسنة والمحافظة على أصول السلف الصالح .

و يظل أنه مهما قيل في قضية قيادة المرأة للسيارة ، ستظل المسألة خاضعة  لقاعدة المصالح والمفاسد ، و لولا الأهواء والتعصب في الرأي ، لاتفق الجميع  على قولٍ سواء في المسألة .

اضف مشاركتك هنا:

بحث سريع