فضل ذي النورين (( عثمان بن عفان رضي الله عنه ))

بواسطة | د. ناصر بن علي الشيخ
2005/03/24
مما هو معلوم عند جمهور أهل السنة والجماعة أن أفضل الناس على الإطلاق بعد أبي بكر وعمر هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر يكنى أبا عمرو ويقال أبا عبد الله(1) يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء(1) وأمه رضي الله عنه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال أنهما ولدا توأماً … فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته وقد أسلمت أمه رضي الله عنه وماتت على الإسلام ولها صحبة رضي الله عنها وأمّا والده فإنه مات في الجاهلية(1) . فعثمان رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة ، ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، فكان ثالث الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، المأمور باتباعهم والاقتداء بهم وكان رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وهاجر إلى الحبشة أول الناس ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة ، فلما كانت وقعة بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بسببها في المدينة وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فيها ، فهو معدود فيمن شهدها فلما توفيت زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم ولذلك لقب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي نبي واحدة بعد واحدة ولم يتفق ذلك لغيره رضي الله عنه ، وشهد الخندق والحديبية وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بإحدى يديه ، وشهد خيبر ، وعمرة القضاء ، وحضر الفتح وهوازن والطائف وغزوة تبوك وجهز جيش العسرة ، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض وصحب أبا بكر فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ، وصحب الفاروق فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ، وكان رضي الله عنه ممن جمع بين العلم والعمل ، والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام ، وكان من الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله تعالى(1). فهو رضي الله عنه أفضل الناس بعد الشيخين رضي الله عنه وهذا هو معتقد الجمهور من أهل السنة والجماعة قال إسحاق بن هراويه رحمه الله تعالى : (( لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض أفضل من أبي بكر ، ولم يكن بعده أفضل من عمر ، ولم يكن بعده أفضل من عثمان ، ولم يكن بعد عثمان على الأرض خير ولا أفضل من علي )) (1) . وقد ذهب بعض أهل السنة من أهل الكوفة إلى تفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنهما وذهب بعض أهل المدينة إلى التوقف في أمرهما رضي الله عنهما ، ثم ذكر أهل العلم رجوع هؤلاء جميعاً إلى مذهب جمهور أهل السنة والجماعة القائل بتقديم عثمان على علي رضي الله عنهما وصار القول واحداً في أن تربيتهم في الفضل كتربيتهم في الخلافة : قال الإمام النووي : (( وقال بعض أهل السنة من أهل الكوفة بتقديم عليّ على عثمان والصحيح المشهور تقديم عثمان )) (1) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( فإن سفيان الثوري ، وطائفة من أهل الكوفة رجحوا علياً على عثمان ، ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره ، وبعض أهل المدينة توقف في عثمان وعليّ ، وهي إحدى الروايتين عن مالك ، لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على عليّ ، كما هو مذهب سائر الأئمة ، كالشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام(1) . وقال الحافظ ابن كثير : (( والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم عليّ على عثمان ويحكى عن سفيان الثوري لكن يقال : إنه رجع عنه ونقل مثله عن وكيع بن الجراح ونصره ابن خزيمة والخطابي وهو ضعيف مردود )) (1) . وذكر أبو منصور البغدادي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة والحسين بن الفضل البجلي أنهما يقولان بتفضيل علي رضي الله عنه على عثمان )) (1).
ونقول إن هذا القول ضعيف مردود لمخالفته ما أطبق عليه أهل السنة والجماعة من تقديم عثمان على عليّ رضي الله عنهما .وقال أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني : (( اختلف قوم من أهل بغداد فقال قوم : عثمان أفضل وقال قوم : عليّ أفضل فتحاكموا إلي فأمسكت وقلت : الإمساك خير ، ثم لم أر لديني السكوت وقلت للذي استفتاني : ارجع إليهم وقل لهم : أبو الحسن يقول : عثمان أفضل من عليّ باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قول أهل السنة وهو أول عقد يحل في الرفض . قال الذهبي : قلت ليس بتفضيل عليّ يرفض ولا هو ببدعة بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد وهما متقاربان في العلم والجلالة ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما ، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام عليّ وإليه نذهب )) (1) . (( وقال غير واحد من العلماء كأيوب السختياني والدارقطني : من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ))(1) .قال ابن كثير رحمه الله تعالى : (( وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح )) (1) . وإذ قد تبين لنا أن بعض أهل السنة القائلين بتقديم عليّ على عثمان رضي الله عنهما والقائلين بالتوقف في أمرهما قد رجعوا إلى قول الجمهور منهم من القول بتقديم عثمان على علي وفي الفضل تبين أن هذه المسألة مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة ولا عبرة بعد ذلك بأي قول يخالف هذا المعتقد الصحيح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( وسائر أئمة السنة على تقديم عثمان وهو مذهب جماهير أهل الحديث وعليه يدل النص والإجماع والاعتبار ، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من تقديم جعفر ، أو تقديم طلحة أو نحو ذلك فذلك في أمور مخصوصة لا تقديماً عاماً وكذلك ما ينقل عن بعضهم في علي )) (1) .
وقد وردت أحاديث كثيرة في السنة تضمنت ذكر فضائله رضي الله عنه وبعضها دل على أنه أفضل الخلق بعد الشيخين رضي الله عنهما ومن تلك الأحاديث :
1- ما رواه الإمام البخاري بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم )) (1) . هذا الحديث دل على أن عثمان رضي الله عنه أفضل الناس بعد أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (( وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ، ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهوراً بيناً فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص ويؤيده ما رواه البزار عن ابن مسعود قال : كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة عليّ بن أبي طالب : رجاله موثوقون : وهو ممحمول على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعاً الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً (( أخرجه أصحاب السنن(1) وصححه ابن حبان وغيره وقال الكرماني : لا حجة في قوله كنا نترك لأن الأصوليين اختلفوا صيغه كنا نفعل لا في صيغة منا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني وعلى تقدير أن يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه ، ثم قال : ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك كان في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك أن يظهر بعد ذلك لهم .. والله أعلم )) (1) .
2- وروى الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط ، فجاء رجل يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) ، فإذا أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : (( ائذن له وبشره بالجنة )) فإذا عمر ، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال : (( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه )) فإذا عثمان بن عفان )) (1) . هذا الحديث تضمن فضيلة هؤلاء الثلاثة المذكورين وهم أبو بكر وعمر وعثمان (( وأنهم من أهل الجنة – كما تضمن – فضيلة لأبي موسى وفيه دلالة على جواز الثناء على الإنسان في وجه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب ونحوه ، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لإخباره بقصة عثمان والبلوى أن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى )) (1) .
3- روى البخاري بإسناده إلى أبي عبد الرحمن أن عثمان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف عليهم ، وقال أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من حفر رومه فله الجنة )) فحفرتها ألستم تعلمون أنه قال : (( من جهز جيش العسرة فله الجنة )) فجهزته قال : فصدقوه بما قال )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبتين عظيمتين لذي النورين رضي الله عنه شراؤه رضي الله عنه بئر رومة ، وتجهيزه جيش العسرة الذي خرج لغزوة تبوك وقد أخبر الذي لا ينطق عن الهوى أن جزاءه على ذلك أن يكون من أصحاب الجنة ، وهاتان المنقبتان من أعلا مناقبه رضي الله عنه . وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن ابن بطال أنه قال عند هذا الحديث : هذا وهو من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها قال الحافظ : هو المشهور في الروايات فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فقال فيه : (( هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن )) (1) لكن لا يتعين الوهم فقد روى البغوي في (( الصحابة )) من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال : لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين أبيه يقال لها : رومة وكان يبيع منها القربة بمد . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( تبيعنيها بعين في الجنة )) فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتجعل لي فيها ما جعلت له قال : (( نعم )) قال : قد جعلتها للمسلمين (( وإن كانت أولاً عيناً فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئراً ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه )) (1) . 4- روى الترمذي رحمه الله بإسناده إلى ثمامة بن حزن القشيري قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي ؟ قال : فجيء بهما كأنهما جملان ، أو كأنهما حماران قال فأشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة )) فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ؟ قالوا : اللهم نعم ، فقال : أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة )) ؟ فاشتريتها من صلب مالي وأنت اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين ؟ قالوا : اللهم نعم قال : أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال فركضه برجل فقال : (( اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )) قالوا : اللهم نعم ، قال : الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ثلاثاً )) ثم قال الترمذي رحمه الله عقب الحديث (( هذا حديث حسن قد روى من غير وجه عن عثمان )) (1) . وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى روايات توضح مقدار المال الذي اشترى به عثمان رضي الله عنه بئر رومة والبقعة التي زيدت في توسعة المسجد أما بالنسبة لمقدار المال الذي اشترى به بئر رومة فقد أورد رواية أنه اشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم وهي من رواية بشير الأسلمي التي أخرجها البغوي في كتابه (( الصحابة )) وأنها كانت لرجل من بني غفار وقد تقدم ذكرها قريباً .
وأمّا مقدار المال الذي اشترى به البقعة التي زيدت في المسجد فقال : (( وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان أنه اشتراها بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً )) (1) .
5- روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن حباب السلمي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها(1) وأقتابها(1) في سبيل الله ثم حضّ على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله علي مائتا بعير لأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول : (( ما على عثمان ما عمل بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه )) (1) .6- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال : (( جاء عثمان بن عفان إلي النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول : (( ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم )) يرددها مراراً )) (1) . قال العلامة ابن القيم ذاكراً صفة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك : (( ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملات في سبيل الله فحمل رجال واحتسبوا وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها ، كانت ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عيناً )) (1) . فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة في شرائه بئر رومة وتحبيسها على المسلمين غنيهم وفقيرهم ، زيادته في المسجد ، وتجهيزه جيش العسرة مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم )) وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) كل هذه الخصال المذكورة من أعظم مناقبه رضي الله عنه وقد ذكرها يوم كان محصوراً في داره من قبل الزائغين الذين خرجوا عليه بغية الفساد في الأرض وصدقه بها كبار الصحابة وفضلاؤهم الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم مثل سعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة رضي الله عنهم أجمعين .
7 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه ، أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسى ثيابه – قال محمد : – ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث فلما خرج قالت : عائشة دخل أبو بكر فلم تهتش له(1) ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال : (( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )) (1) .
هذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وبيان أنه جليل القدر حتى عند الملائكة . كما دل الحديث أيضاً : على أن الحياء صفة حميدة ، من صفات الملائكة ..
8 – وروى مسلم أيضاً : بإسناده إلى يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط(1) عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : (( اجمعي عليك ثيابك )) فقضيت إليه حاجتي ثم انصرف فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الخال أن لا يبلغ إلي في حاجته )) (1) . وهذا الحديث كالذي قبله فيه بيان مكانة عثمان عند النبي صلى الله عليه وسلم وثناؤه عليه بأنه حيي وأنه عليه الصلاة والسلام اهتم بدخوله عليه واحتفل به وبين لعائشة رضي الله عنها العلة في ذلك .
9 – وروى البخاري بإسناده إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا : ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه ؟ فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة قلت إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك . قال : يا أيها المرء منك قال معمر : أراه قال : أعوذ بالله منك فانصرفت فرجعت إليهما إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ما نصيحتك ؟ فقلت : إن الله – سبحانه – بعث محمداً بالحق ، وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهاجرت الهجرتين وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد قال : أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : لا ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها قال : أمّا بعد فإن الله بعث محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمنت بما بعث به وهاجرت الهجرتين – كما قلت – وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله ، ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثله الذي لهم ؟ قلت : بلى قال :فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ، أما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله ثم دعا علياً فأمره أن يجلده فجلده ثمانين )) (1) . هذا الحديث اشتمل على مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وهي أنه كان ممن استجاب لله والرسول وآمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق الإيمان ، وهاجر الهجرتين وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته ومات عليه الصلاة والسلام وهو عنه راض ، ثم أبو بكر مثله ، ثم عمر كذلك وتوفيا رضي الله عنهما وهما عنه راضيان ، ولما طلب منه إقامة الحد على أخيه الوليد فما أن ثبت لديه ما يوجب ذلك إلا وأمر علياً بإقامة الحد عليه وهذا فيه دلالة على مراعاته للحق والأخذ به عند ظهوره وفي هذا منقبة من مناقبه رضي الله عنه .
10 – روى الإمام أحمد بإسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن قال : أشرف عثمان رضي الله عنه من القصر وهو محصور فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء(1) إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال : (( اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد )) وأنا معه فانتشد له رجال قال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إل المشركين إلى أهل مكة قال : (( هذه يدي وهذه يد عثمان – رضي الله عنه )) فبايع في فانتشد له رجال )) (1) . هذا الحديث تضمن منقبتين عظيمتين لذي النورين رضي الله عنه :
* الأولى : إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيموت شهيداً وقد كان ذلك فإنه رضي الله عنه قتل شهيداً على أيدي الخارجين عليه ظلماً وعدواناً .
* الثانية : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع عنه بيده الشريفة بيعة الرضوان حيث إنه كان مبعوثاً من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم لإبلاغ أهل مكة أنه عليه الصلاة والسلام جاء معتمراً لا محارباً ، وهاتان المنقبتان دلتا على علو مكانته وعظيم فضله رضي الله عنه وأرضاه .
11- ومن مناقبه رضي الله عنه إجماع الصحابة على خيرته رضي الله عنه وأفضليته بعد الشيخين فإنه لما بويع لم يبق في الشورى إلا هو وعلي والحكم عبد الرحمن بن عوف وبقي عبد الرحمن بن عوف وبقي عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها يشاور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ويشاور أمهات المؤمنين ، ويشاور أمراء الأمصار فإنهم كانوا بالمدينة حجوا مع عمر وشهدوا موته حتى قال عبد الرحمن : إن لي ثلاثاً ما اغتمضت بنوم وبعد هذا كله وبعد أخذ المواثيق منهما على أن يبايع من بايعه أعلن النتيجة بعد هذا الاستفتاء وهي قوله : إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان فبايعه علي وعبد الرحمن وسائر المسلمين بيعة رضى واختيار )) (1) . فدل هذا الإجماع على أنه أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وهذا إجماع منهم على تقديمهم لعثمان على عليّ ولما سأل رجل عبد الله بن المبارك أيهما أفضل عليّ أو عثمان قال : (( قد كفانا ذاك عبد الرحمن بن عوف )) (1) وقال عبد الله بن مسعود : (( أمرنا خير من بقي ولم نأل )) (1) ولهذا قال أيوب السختياني ولهذا قال أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني : (( من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار )) (1) وقد بين معنى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : (( لو لم يكن عثمان أحق بالتقديم وقد قدموه كانوا إما جاهلين بفضله وإما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني ومن نسبهم إلى الجهل والظلم فقد أزرى بهم )) (1) .
12 – ومن مناقبه الكبار وحسناته العظيمة أنه جمع الناس على مصحف واحد وكتب المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سني حياته وكان سبب ذلك أن حديفة بن اليمان كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدرداء وجماعة من أهل العراق على من يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره وربما خطأ الآخر وكفره فأدى ذلك إلى اختلاف شديد ، وانتشار في الكلام السييء بين الناس فركب حذيفة إلى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم وذكر له ما شاهد من اختلاف في القراءة فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد ، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة ودفع الاختلاف .فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها فظلت عند الصديق أيام حياته ، ثم كانت عند عمر فلما توفي صارت حفصة أم المؤمنين فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكبت ،وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش ، فكتب لأهل الشام مصحفاً ، ولأهل مصر آخر ، وبعث إلى البصرة ، مصحفاً وإلى الكوفة بآخر وأرسل إلى مكة مصحفاً وإلى اليمن مثله وأقر بالمدينة مصحفاً ويقال لهذه المصاحف الأئمة )) (1) . وبهذا العمل الجليل يعتبر عثمان رضي الله عنه من عباد الله الصالحين الذين أيد الله بهم دينه وحفظ بهم كتابه رضي الله عنه وأرضاه .
13 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون مستمراً على الهدى المستقيم عند حلول الفتنة ، وهذه منقبة عظيمة له رضي الله عنه . فقد روى الحاكم بإسناده إلى مرة بن كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقربها فمر به رجل مقنع(1) في ثوب فقال : (( هذا يومئذ على الهدى )) فقمت إليه فإذا هو عثمان رضي الله عنه فأقبلت بوجهه فقلت : هو هذا قال : (( نعم )) (1) .
14 – ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة بالالتفاف حوله عند نزول الفتنة والاختلاف وفي هذا تنبيه إلى أن عثمان رضي الله عنه ممن أسعدهم الله ووفقهم لسلوك طريقه المستقيم . فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنها ستكون فتنة واختلاف ، أو اختلاف وفتنة )) قال : قلنا يا رسول الله فما تأمرنا قال : (( عليكم بالأمير وأصحابه )) وأشار إلى عثمان )) (1) .
15 – ومن مناقبه الرفيعة رضي الله عنه وفاؤه رضي الله عنه بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وإصباره نفسه على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه رضي الله عنه لما جاءه الخوارج الذين خرجوا عليه من الأمصار وجاءوا إلى المدينة وحصروه في داره رضي الله عنه فوق أربعين يوماً وكان عددهم كما قال ابن العربي : أربعة آلاف وكلهم يريد قتله وكان عدد الذين لا يريدون قتله أربعين ألفاً )) (1) وكان باستطاعته رضي الله عنه أن يأمر بالدفاع عنه ولكنه أبى رضي الله عنه خشية من أن يسفك دم بسببه ، وناشد من كان معه في داره من الصحابة أن يخرجوا عنه ولما خرجوا تسلق عليه أولئك الأخلاط الظلمة داره وأحرقوا الباب ودخلوا عليه وقتلوه ورضي أن يكون عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل وفاءاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه .فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ادعوا لي أو ليست عندي رجلاً من أصحابي )) قالت : قلت : أبو بكر قال : (( لا )) قلت : عمر قال : (( لا )) قلت : ابن عمك عليّ قال : (( لا )) قلت : فعثمان قال : (( نعم )) قالت : فجاء عثمان فقال : (( قومي )) قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان ولن عثمان يتغير قال : فلما كان يوم الدار ألا نقاتل قال : لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أمراً فأنا صابر نفسي عليه )) (1) . تلك طائفة من الأحاديث والآثار التي دلت على فضل عثمان رضي الله عنه وفي بعضها دلالة على تقديمه بعد الشيخين وهذا معتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وهي العقيدة التي ينبغي أن تحل في قلب المسلم الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .

بحث سريع