ولقد ورد الثناء من آل البيت على عثمان رضي الله عنه حاله كحال صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم بل قد نال ما هو أعظم من شرف مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد زوجه صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى وقال : (( لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان )) ([1]) .
وسمي ذو النورين لذلك إذ لم يعرف أحد جمع بين بنتي نبي غيره رضي الله عنه وأرضاه([2]) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وهكذا مصاهرة عثمان لم يزل فيها حميداً لم يقع منه ما يعتب عليه فيها حتى قال : (( لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان )) وهذا يدل على أن مصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم أكمل من مصاهرة علي له([3]) .
وقد كان علي رضي الله عنه وآل البيت يجلونه ويعترفون بحقه فكان أول من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف علي بن أبي طالب([4]) .
وعن قيس بن عباد قال : سمعت علياً رضي الله عنه وذكر عثمان فقال : هو رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة )) ([5]) . وقد شهد رضي الله عنه له بالجنة .
فعن النزال بن سبره قال : سألت علياً عن عثمان فقال : (( ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه ضمن له بيت في الجنة )) ([6]) .
وكان رضي الله عنه طائعاً معترفاً بإمامته وخلافته لا يعصي له أمر فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن الحنفية عن علي : قال لو سيرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت ([7]) .
والصرار : هو الخيط الذي تشد به التوادي على أطراف الناقة لئلا يرضعها ولدها([8]) وفيه دليل على مدى إتباعه وطاعته لعثمان رضي الله عنه .
وقد روى أحمد بسنده أن أبا قتادة([9]) ورجلاً آخر معه من الأنصار دخلا على عثمان وهو محصور فاستأذناه في الحج فأذن لهما ثم قالا : مع من نكون إن ظهر هؤلاء القوم ، قال عليكم بالجماعة ، قالا أرأيت إن أصابك هؤلاء القوم ، وكانت الجماعة فيهم : قال ألزموا الجماعة حيث كانت فخرجنا من عنده فلما بلغنا باب الدار لقينا الحسن بن علي داخلاً فرجعنا على إثر الحسن لننظر ما يرد فلما دخل الحسن عليه قال : يا أمير المؤمنين إنا طوع يدك فمرني بما شئت فقال له عثمان : يا ابن أخي ارجع فأجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لي في هراقة الدماء([10]) .
وروى ابن أبي شيبة بإسناده إلى أبي قلابة([11]) قال : جاء الحسن بن علي إلى عثمان فقال : اخترط سيفي ، قال : لا ، أبرأ إلى الله إذاً من دمك ، ولكن ثم([12]) سيفك وارجع إلى أبيك([13]).
وكان في من ذهب للدفاع عنه ولزم الباب حبر هذه الأمة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس ولما أمره رضي الله عنه في تلك الأيام على الحج قال : (( والله يا أمير المؤمنين ، لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج فأقسم عليه لينطلقن )) ([14]) .
ولقد أنكر على رضي الله عنه قتل عثمان وتبرأ من دمه وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ولا أمر بقتله ولا مالأ ولا رضي وقد ثبت عنه من طرق تفيد القطع([15]) .
خلافاً لما تزعمه الرافضة من أنه كان راضياً بقتل عثمان رضي الله عنهما([16]) .
قال الحاكم بعد ذكر بعض الأخبار الواردة في مقتله رضي الله عنه الله عنه (( فأما الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على قتله فإنه كذب وزور فقد تواترت الأخبار بخلافه([17]) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وهذا كله كذب على علي رضي الله عنه الله عنه وافتراء عليه ، فعلي رضي الله عنه الله عنه لم يشارك في دم عثمان ، ولا أمر ولا رضي وقد روي عنه ذلك وهو الصادق البار )) ([18]) .
قلت ومما جاء عن علي رضي الله عنه في ذلك : ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى([19]) أنه قال : ((رأيت علياً رافعاً حضنيه([20]) يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان )) ([21]) .
وروى الحاكم بإسناده عن قيس بن عباد قال : سمعت علياً رضي الله عنه الله عنه يوم الجمل يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة ، فقلت والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ألا استحيي ممن تستحيي منه الملائكة )) وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد فانصرفوا ، فما دفن رجع الناس فسألوني البيعة فقلت اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا : يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي ، وقلت : اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى([22]) .
وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن الحنفية قال : أبلغ علياً أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد([23]) . قال : فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال : وأنا ألعن قتله عثمان لعنهم الله في السهل والجبل قال مرتين أو ثلاثاً([24]) .
وروى ابن سعد بسنده عن ابن عباس أن علياً قال : والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ، ولكني نهيت ، والله ما قتلت عثمان ولا أمرت ولكني غلبت قالها ثلاثاً([25]) .
وجاء عنه أيضاً أنه قال رضي الله عنه : (( من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من الإيمان ، والله ما أعنت على قتله ولا أمرت ، ولا رضيت )) ([26]) .
قلت : وهو الصادق البار بلا يمين . فقبح الله الرافضة وقد ثبت تواتر إنكار ذلك عن بقية آل البيت : فقد روى ابن سعد عن يحيى بن سعيد([27]) قال : قال علي بن الحسين ، والله ما قتل عثمان رحمه الله على وجه الحق([28]) .
وذكر ابن كثير عن أبي جعفر الباقر أنه قال : (( كان قتل عثمان على غير وجه الحق))([29]) .
وروى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس أنه قال : (( لو اجتمع الناس على قتل عثمان لموا بالحجارة كما رمي قوم لوط )) ([32]) .
وفي ذلك دليل واضح للإنكار على قتله وأن الصحابة وآل البيت لم يرضوا بذلك وهذا هو القول الحق فيما بين علي وآل البيت وعثمان وبقية الصحابة رضي الله عنه الله عنهم لا ما يحكيه الروافض والخوارج وكثير من كتاب التاريخ والقصاص الذين لا يفحصون الرواية ولا يدققون النظر في قائليها .
لذا قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر بيعة عثمان وكيف حصلت وأشار إلى بعض ما يذكره المؤرخون حول ذلك (( والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ، ومستقيمها وسقيمها ، ومبادها وقويمها والله الموفق للصواب )) ([33]) .
وقال في موضع آخر : (( وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله ، فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه ، بل كلهم كرهه ، ومقته وسب من فعله )) ([34]) .
وقال النووي رحمه الله : (( وأما عثمان رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع وقتل مظلوماً وقتلته فسقة لأن موجبات القتل مضبوطة ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه ولم يشارك في قتله أحد من الصحاب ، وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل وسفلة الأطراف والأراذل تحزبوا وقصدوه من مصر ، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه الله عنه ))([35]) .
قلت : بل عرض الصحابة الدفاع عنه ولكنه أبى رضي الله عنه الله عنه خشية أن يسفك دم بسببه إذ قال : (( عزمت على من كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل )) ([36]) .
كل ذلك وفاء منه رضي الله عنه الله عنه بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وإصبار لنفسه على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد روى الإمام أحمد بإسناده عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوا لي بعض أصحابي قلت : أبو بكر ؟ قال : لا قلت : عمر ؟ قال : لا . قلت : ابن عمك علي ؟ قال : لا قلت : عثمان ؟ قال : نعم ، فلما جاء قال : تنحي فجعل يساره ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر قلنا : يا أمير المؤمنين ألا تقاتل قال : لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهداً وإني صابر نفسي عليه([37]) .
وبهذا يتبين أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يتأخروا عن نصرته لكنه أبى ذلك عليهم فرضي رضي الله عنه أن يكون عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل وفاء بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ثبت عن علي رضي الله عنه الله عنه من غير وجه فضلاً على ما تقدم من أنه لا يكن لعثمان رضي الله عنه الله عنه إلا المحبة والمودة إذ كان يقول : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان كما قال الله عز وجل : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين }([38])([39]) .
وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن حاطب([40]) قال : سألت علياً عن عثمان فقال : هو (( من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم آمنوا ثم اتقوا )) ([41]) .
وفي رواية عند أبي نعيم([42]) عن محمد بن حاطب قالوا : ذكروا عثمان ابن عفان فقال الحسن ابن علي : الآن يجيء أمير المؤمنين ، فجاء علي فقال علي : كان عثمان من الذين {آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين}([43])([44]) .
وروى الإمام أحمد بسنده أيضاً عن محمد بن حاطب قال : سمعت علياً يقول يعني : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى }([45]) منهم عثمان([46]) .
فهذه منزلة عثمان رضي الله عنه عند علي رضي الله عنه وقد سار على ذلك بقية آل البيت رضي الله عنهم .
فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في مدح عثمان وذم من ينتقصه (( رحم الله أبا عمرو ، كان والله أكرم الحفدة وأفضل البررة ، هجاداً بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر النار نهاضاً عن كل مكرمة ، سباقاً إلى كل منحة ، حبيباً أبياً وفياً ، صاحب جيش العسرة ، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعقب الله على من يلعنه لعنة اللاعنين إلى يوم الدين([47]) .
وروى الخطيب البغدادي بإسناده إلى زيد رحمه الله أنه قال : البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان البراءة من علي ، والبراءة أبي بكر وعمر وعثمان )) ([48]) .
وروى ابن عساكر بإسناده إلى السدي([49]) قال : أتيته – أي زيد – وهو في بارق حي من أحياء الكوفة ، فقلت له : أنتم سادتنا وأنتم ولاة أمورنا فما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فقال تولهما, وكان يقول البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان البراءة من علي, والبراءة من علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان )) ([50]) .
وبهذا يتبين أن موقف زيد بن علي رحمه الله من الخليفة الثالث ذي النورين عثمان بن عفان لم يختلف عن موقفه من أبي بكر وعمر ، وإنما كان موالياً لعثمان مترضياً عليه ، رافضاً للبراءة منه ، إذ كان يقرنه بأبي بكر وعمر وعلي ولم يكن متوقفاً فيه كما يرى ذلك بعض من المتأخرين([51]) .
وقد ثبت عن علي بن الحسين البراءة من قول الرافضة في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فقد روى أبو نعيم بسنده عن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال : (( جلس قوم من أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منهما ، ثم ابتدأوا في عثمان فقال لهم : أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله }([52]) قالوا : لا قال : فإنتم من الذين { تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم }([53]) قالوا : لا فقال لهم : أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء ، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله عز وجل فيهم : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون برنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا }([54]) فقوموا عني لا بارك الله فيكم ، ولا قرب دوركم أنتم مستهزئون بالإسلام ، ولستم من أهله )) ([55]) .
وذكر القرطبي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه أنه جاء رجل فقال له : يا ابن بنت رسول الله ما تقول في عثمان ؟ فقال له : يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم : { للفقراء المهاجرين } الآية ، قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنتم من قوم قال الله فيهم : { والذين تبوؤا الدار والإيمان } الآية قال : لا ، قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان }([56]) .
وأنا أقول كما قال : علي بن الحسين رحمه الله أن من كان هذا حاله فهوا مستهزئ بالإسلام وليس من أهله ، والرافضة إنما اتخذوا آل البيت ستاراً لترويج أفكارهم وبث معتقداتهم فمخالفتهم لآل البيت واضحة صريحة ، فعليهم من الله ما يستحقون .
والنقول المتقدمة تبين معتقد آل البيت في عثمان رضي الله عنه وهي عقيدة أهل السنة والجماعة .
([37]) فضائل الصحابة (1/494) حديث (804) وقال محققه : إسناده صحيح ، وسنن ابن ماجة في فضل عثمان (1/42) حديث (113) وقال محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد : إسناده صحيح ، ورجاله ثقات ، وسنن الترمذي ك المناقب باب مناقب عثمان (5/631) حديث (3711) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، والمستدرك (3/99) وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .