النصب في بعض بني أمية

بواسطة |  د. سليمان بن سالم السحيمي
2005/03/26
لقد ظهر في عصر الدولة الأموية بغض علي رضي الله عنه ورميه بالفسق ووصفه بالظلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( أما علي فأبغضه وسبه أو كفره ، الخوارج ، وكثير من بني أمية وشيعتهم ، الذين قاتلوه وسبوه )) ([1]).
وقال أيضاً عند ذكره لأقوال الناس في قتال علي رضي الله عنه (( وطائفة من المروانية([2]) تفسقه وتقول إنه ظالم معتد )) ([3]).
ولذلك يقول المزي([4]) (( كان أهل حمص ينتقصون علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش([5]) رحمه الله فحدثهم بفضائله فكفوا عن ذلك )) ([6]).
وكذلك الحال كان في دمشق فقد ألف الإمام النسائي رحمه الله كتابه (( خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب )) وعندما سئل عن ذلك قال : (( دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، فصنفت كتاب (( الخصائص )) رجوت أن يهديهم الله تعالى ..)) ([7])
وقد علل الذهبي رحمه الله وجود هذه الظاهرة وسبب ذلك النصب : (( وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ، ويتغالون فيه ، ويفضلونه ، إما ملكهم بالكرم والحلم والعطاء ، وإما قد ولدوا في الشام على حبه ، وتربى أولادهم على ذلك ، وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة ، وعدد كثير من التابعين والفضلاء ، وحاربوا معه أهل العراق ونشأوا على النصب نعوذ بالله من الهوى ، كما قد نشأوا جيش علي رضي الله عنه ورعيته – إلا الخوارج منهم – على حبه والقيام معه ، وبغض من بغى عليه والتبرؤ منهم ، وغلا خلق منهم في التشيع ، فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم ، لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب ، مفرطاً في البغض ، ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال ؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين ، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين ، وتبصرنا ، فعذرنا ، واستغفرنا ، وأحببنا باقتصاد ، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة ، أو بخطأ إن شاء الله مغفور ، وقلنا كما علمنا { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا } ([8])([9]).
وقد ختمه رحمه الله بتقرير مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب الذي يتمثل في العدل والإنصاف ، والوسطية بين الغلو والإجحاف ، فلا إفراط ولا تفريط والحمد لله رب العالمين .
ولم يكتف النواصب بذلك حتى تناولوا الحسين رضي الله عنه بقول السوء : فزعموا أنه كان خارجياً ، وأنه يجوز قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان )) ([10])([11]).
ومما رمي بالنصب الحجاج بن يوسف الثقفي قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين ، وكان رأسهم المختار بن عبيد الكذاب ، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي رضي الله عنه وأولاده ، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( سيكون في ثقيف كذاب ومبير )) ([12]) فكان ذلك الشيعي هو الكذاب ، وهذا الناصبي هو المبير )) ([13]).
ومع كون الحجاج مبيراً سفاكاً للدماء قد قتل خلقاً كثيراً ، فإنه لم يقتل من بني هاشم أحداً قط ، إذ أن سلطانه عبد الملك أرسل إليه يقول له (( إياك وبني هاشم أن تتعرض لهم )) ([14]).
ولعل هذا المعتقد كان سائداً في دمشق والشام إبان الدولة الأموية ثم اضمحل وتلاشى بعد ذلك حتى انتهى وفي ذلك يقول الذهبي رحمه الله : (( كان النصب مذهباً لأهل دمشق في وقت ، كما كان الرفض مذهباً لهم في وقت وهو في دولة بني عبيد([15]) ، ثم عدم ولله الحمد النصب ، وبقي الرفض خفيفاً خاملاً ([16]).
فعلى هذا يكون النصب المنسوب إلى بني أمية قد انتهى بانتهاء دولتهم وذلك لأنه لم يصدر منهم تديناً وإنما جلبته العصبية ولا يمنع وجود بعض الأفراد بعد ذلك.
أما الرفض فإن من سبر التاريخ يجد أنه يظهر بين فترة وأخرى وينشط كلما ظهرت لهم شوكة أو دولة لاعتقادهم أنه الدين الحق .


([1]) مجموع الفتاوى (4/436).
([2]) المراد بهم أبناء مروان بن الحكم واحفاده فإن دولتهم تسمى بالدولة المروانية .
([3]) منهاج السنة (1/544) .
([4]) هو : يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف أبو الحجاج المزي محدث الشام في عصره ولد بظاهر حلب سنة 654هـ ونشأ بالمزة من ضواحي دمشق وتوفي في دمشق سنة 742هـ. انظر شذرات الذهب (6/136) والأعلام (8/236).
([5]) إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي ، أبو عتبة عالم الشام ومحدثها في عصره من اهل حمص ، رحل إلى العراق ، وولاه المنصور خزانة الكسوة ، وكان صاحب سنة وأتباع وجلالة ووقار وكانت وفاته سنة 181 وقيل 182هـ. انظر العبر (1/215-216) وسير أعلام النبلاء (8/313) والأعلام للزركلي (1/320).
([6]) تهذيب الكمال (3/170) وانظر سير أعلام النبلاء (8/316).
([7]) سير أعلام النبلاء (14/129) .
([8]) سورة الحشر آية (10).
([9]) سير أعلام النبلاء (3/128).
([10]) تقدم تخريجه ص(341).
([11]) انظر منهاج السنة (4/553).
([12]) تقدم تخريجه ص(260).
([13]) المنهاج (4/554-555) ومجموع الفتاوى (4/504).
([14]) انظر منهاج السنة (4/558) ومجموع الفتاوى (4/504).
([15]) نسبة إلى عبيد الله بن محمد المهدي المتوفى سنة 322هـ ، والذي عليه المحققون من اهل التاريخ وعلماء الأنساب أنه من نسل عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسمه إلى عبيد الله بن الحسين بن محمود بن إسماعيل بن جعفر الصادق وتعرف دولتهم بالدولة الفاطمية وحقيقتها أنها دولة رافضية باطنية وإنتسابها إلى ولد علي رضي الله عنه انتساب باطل لا يصح ، فحقيقة مذهبهم الكفر المحض واعتقادهم الرفض وقد قال عنهم شيخ الإسلام بن تيمية (( بأنهم من أفسق الناس ومن أكفر الناس وأن من شهد لهم بالإيمان والتقوى أو بصحة النسب فقد شهد بما لا يعلم ، وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر )).
انظر الفرق بين الفرق (282-283) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (53/120 وما بعدها) والبداية والنهاية (11/291-369) وانظر قضية نسب الفاطميين للدكتور عبد الحليم عويس (8/24) والأعلام (4/197).
([16]) ميزان الاعتدال 1/76.
————
المصدر : العقيدة في أهل البيت بين الافراط والتفريط ، للدكتور السحيمي .

بحث سريع