عبد الله بن عباس رضي الله عنه

بواسطة | د. ناصر بن علي الشيخ
2005/04/03
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو العباس الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر هذه الأمة ، ومفسر كتاب الله وترجمانه ، كان يقال له : الحبر والبحر ، وروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً كثيراً ، وعن جماعة من الصحابة وأخذ عنه خلق من الصحابة وأمم من التابعين ، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه وكثرة فهمه وكمال عقله وسعة فضله ونبل أصله رضي الله عنه وأرضاه ، وأمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وهو والد الخلفاء العباسيين هاجر مع أبيه قبل الفتح فاتفق لقياهما النبي صلى الله عليه وسلم بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة فشهد الفتح وحنينا والطائف عام ثمان ، وقيل كان في سنة تسع وصحب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ولزمه وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوال وأخذ عن الصحابة علماً عظيماً ومع الفهم الثاقب والبلاغة والفصاحة ، والجمال والملاحة والأصالة والبيان ، وكانت وفاته رضي الله عنه سنة ثمان وستين بالطائف رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه(1) . وقد وردت في بيان فضله أحاديث كثيرة صحيحة عن رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ومن تلك الأحاديث :
1 – ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء فوضعت له وضوءاً قال : (( من صنع هذا ؟ )) فأخبر فقال (( اللهم فقهه في الدين )) (2) . هذه الدعوة النبوية فيها منقبة ظاهرة لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهي دعاؤه عليه الصلاة والسلام له بالفقه في الدين . قال ابن المنبير : مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أن تردد بن ثلاثة أمور : إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء ، أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب أو لا يفعل شيئاً . فرأى الثاني أوفق لأن في الأول تعرضاً للاطلاع والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء الثاني أسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكذا كان(3) .
2- وروى أيضاً : بإسناده إلى ابن عباس قال : ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (( اللهم علمه الكتاب )) (4) . وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس رضي الله عنه وهي ضم النبي صلى الله عليه وسلم له ودعوته له أن يعلمه الله الكتاب .     (( والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه )) (5) .
3- روى مسلم بإسناده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء فوضعت له وضوء فلما هرج قال : (( من وضع هذا )) في روايةزهير قالوا وفي رواية أبي بكر قلت : ابن عباس قال : (( اللهم فقهه )) (6) . قال النووي : (( قوله صلى الله عليه وسلم (( اللهم فقهه )) فيه فضيلة الفقه واستحباب الدعاء بظهر الغيب واستحباب الدعاء لمن عمل عملاً خيراً مع الإنسان وفيه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكان من الفقه بالمحل الأعلى )) اهـ(7) .
4- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة فوضعت له وضوءاَ من الليل قال : فقالت ميمونة : يا رسول الله وضع لك هذا عبد الله بن عباس فقال : (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )) (8) .
5- وروى أيضاً : بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو على منكبي شك سعيد ثم قال :     (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )) (9) .
6- وروى محمد بن سعد بإسناده إلى ابن عباس قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسح على ناصيتي وقال : اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب )) (10) .
7- وفي مسند الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم اعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل )) (11) .
8- وبلفظ آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال : مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسي ودعا لي بالحكمة(12) .
9- وروى الإمام الترمذي بإسناده إلى ابن عباس قال : (( دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتيني الله الحكم مرتين )) ثم قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عطاء وقد رواه عكرمة عن ابن عباس(13) .
ومعنى قوله : (( أن يؤتيني الله لحكم مرتين )) أي : العلم والفقه والقضاء بالعدل والظاهر أن المراد به هنا الفهم في القرآن(14) .
10 – روى الإمام البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال : ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال : (( اللهم علمه الحكمة )) (15) .
هذه الأحاديث المتقدمة فيها بيان فضل عبد الله بن عباس رضي الله عنه ولقد استجاب الله هذا الدعاء النبوي في ابن عباس فلقد كان إماماً في العلم وعلماً من أعلام الأمة المحمدية الذين نشر الله بهم أحكام الدين نشر الله بهم أحكام دين الإسلام من أوامر ونواه وحلال وحرام . قال الحافظ رحمه الله تعالى : (( وههذ الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فييها لما علم من حال ابن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه ، وقد اختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل : القرآن وقيل : العمل به ، وقيل : السنة ، وقيل : الإصابة في القول ، قيل الخشية وقيل : الفهم عن الله ، وقيل : العقل ، وقيل : ما يشهد العقل بصحته ، وقيل نور يفرق به بن الإلهام والوسواس ، وقيل : سرعة الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى : { ولقد ءاتينا لقمان الحكمة }(16) والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن )) اهـ(17) .
 11 – وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه(18) فلما أقبل على صلاته خنست(19) فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال لي : (( ما شأني أجعلك حذائي فتخنس )) فقلت : يا رسول الله أوينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله قال : فأعجبته فدعا الله لي أن يزيدني علماً وفهماً قال : ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ ثم أتاه بلال فقال : يا رسول الله الصلاة فقام فصلى ما أعاد وضوءاً(20)  .هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد حظي بهذه الدعوة المباركة وهي الزيادة في العلم والفهم وقد كان كذلك رضي الله عنه وأرضاه .
12 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب قال : فجاء فحطأني حطأة(21) وقال : (( اذهب وادع لي معاوية )) الحديث(22) . وفي هذا الحديث منقبة لابن عباس رضي الله عنه حيث جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوار خلف باب فضرب بيده الشريفة وهي مبسوطة بين كتفيه وأمره أن ينادي له معاوية رضي الله عنه 
13 – وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس قال : كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا من عنده فقال لي أبي : أي بني ؟ ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني فقلت : يا أبت إنه كان عنده رجل يناجيه قال فرجعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي : يا رسول الله قلت لعب الله كذا وكذا فأخبرني أنه كان عندك رجل يناجيك فهل كان عندك أحد فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وهل رأيته يا عبد الله )) قال : قلت : نعم قال : (( فإن ذاك جبريل وهو الذي شغلني عنك )) (23) .
14 – وروى أبو القاسم الطبراني كما في (( مجمع الزوائد )) (24) عن ابن عباس قال : بعث العباس بعبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فوجد معه رجلاً فرجع ولم يكلمه فقال : (( رأيته ؟ )) قال : نعم قال : (( ذاك جبريل أنا إنه لن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علماً )) .
هذانالحديثان تضمنا منقبة ومفخرة عظيمة لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث أكرمه الله تعالى برؤية جبريل الأمين كما تضمن حديث الطبراني علماً من أعلاام النبوة حيث حصل لابن عباس ما أخبر به عليه الصلاة والسلام منذهاب بصره وإيتائه علماً واسعاً وكذلك كان رضي الله عنه وأرضاه  ولقد بين فضله ومكانته العلمية فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يدخله في مجلس كبار الصحابة من مشيخة بدر رضي الله عنهم وقد كان لهم أبناء في سنه رضي الله عنه وأرضاه . ولقد بين فضله ومكانته العلمية فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يدخله في مجلس كبار الصحابة من مشيخة بدر رضي الله عنهم وقد كان لهم أبناء في سنه رضي الله عنه ولم يحظ بهذا التكريم سواه .
15 – فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلأى ابن عباس قال :كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال : لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر : إنه من حيث علمتم فدعا ذات يوم فأدخله معهم فما رؤيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم قال : ما تقولون في قول الله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } فقال لعضهم : أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً فقال لي : أكذاك تقول يا ابن عباس فقلت : لا قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال : إذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول(25) .
16 – وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : وأخرج البغوي في معجم لصحابة من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر قال : كان يدعو ابن عباس ويقربه ويقول إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوماً فمسح رأسك وقال : (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )) (26) . وتقريب عمر رضي الله عنه لابن عباس وإدخاله مع أشياخ بدر من أجل أن يقرر عندهم جلاله قدره ،وكبير منزلته في العلم والفهم .
17 – وذكر الحافظ ابن كثير أن عمر رضي الله عنه كان يقول  :نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس . وكان يقول إذا أقبل : جاء فتى الكهول ، وذو اللسان السئول ، والقلب العقول(27) .
18 – وروى ابن سعد بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال : ما رأيت أحداً أحضر فهماً ولا ألب لباً ولا أكثر علماً ولا أوسع حلماً من ابن عباس ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ثم يقول : عندك قد جاءتك معضلة ثم لا يجاوز قوله وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار(28).
19 – وقال طلحة بن عبيد الله : لقد أعطى ابن عباس فهماً ولقناً وعلماً ما كنت أرى عمر بن الخطاب يقدم عليه أحد(29) .
20 – وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين بلغع موت ابن عباس : (( مات أعلم الناس وأحلم الناس ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق )) .
21 – وقال رافع بن خديج : مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب(30) .
22 – وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لعكرمة : مولاك والله أفقه من مات وعاش(31) .
23 – وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : (( ابن عباس أعلم الناس بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم )) (32) .
24 – وقال مجاهد : كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه .
وقال محمد بن علي يوم مات ابن عباس : اليوم مات رباني هذه الأمة(33) .
26 – وقال طاووس : كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما تسبق النخل السحوق(34) على الودي الصغار(35) . ذلك هو عبد الله بن عباس وتلك طائفة من مناقبه التي دلت على علو شأنه وسمو منزلته وكلها دلت على أنه كان جليل القدر وأنه كان ذا مكانة عظيمة عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لقد اعترف بفضله ونبله كبار لصحابة رضي الله عنهم ، والتابعون لهم بإحسان . فرضي الله عنه وأرضاه .


 1- البداية والنهاية 8/317 – 318 ، وانظر أنساب الأشراف 3/27 ، كتاب المعرفة والتاريخ 1/241 ، الجرح والتعديل 5/116 ، الاستيعاب علا حاشية الإصابة 2/342 ، أسد الغابة 3/192 ، حلية الأولياء 1/314 – 328 ، صفة الصفوة 1/746 – 758 ، تهذيب التهذيب 5/276 ، الإصابة 2/322 – 326 .
2- صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 1/244 .
3- فتح الباري 1/244 – 245 .
4- صحيح البخاري 1/25 ، رواه أحمد في المسند انظر (( الفتح الرباني )) 22/292 .
5- فتح الباري 1/170 .
6- صحيح مسلم 4/1927 .
7- شرح النووي على صحيح مسلم 16/37 .
8- المسند مع الفتح الرباني 22/292 .
9- المصدر السابق وقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد )) وقال : رواه أحمد والطبراني بأسانيد ولأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح )) اهـ . ورواه الحاكم في المستدرك 3/534 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
10- الطبقات 2/365 .
11- المسند مع الفتح الرباني 22/292 .
12- المصدر السابق وانظر البداية والنهاية لابن كثير 8/320 فقد قال رحمه الله (( تفرد به أحمد وقد روى هذا الحديث غير واحد عن عكرمة بنحو هذا ومنهم من أرسله عن عكرمة والمتصل هو الصحيح فقد رواه غير واحد من التابعين عن ابن عباس )) اهـ .
13- سنن الترمذي 5/344 .
14- تحفة الأححوذي 10/337 .
15- صحيح البخاري 3/306، سنن الترمذي 5/344 .
16- سورة لقمان آية 12 .
17- فتح الباري 1/170 ، 7/100 .
18- أي : بجواره .
19- أي : تأخرت .
20- المنسد مع الفتح الرباني 22/293 وأورد الهيثمي في (( مجمع الزوائد )) 9/284 ثم قال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه الحاكم في المستدرك 3/534 ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي .
21- فحطأني حطأة : أي : ضربة بيده مبسوطة بين كتفيه .
22- صحيح مسلم 4/2010 .
23- المسند مع الفتح الرباني 22/294 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/276ثم قال رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها رجال الصحيح .
24- مجمع الزوائد 9/227 وقال الهيثمي :رواه الطبراني بأسانيد ورجاله ثقات .
25- صحيح البخاري 3/222 .
26- فتح الباري 1/170 .
27- البداية والنهاية 8/321 .
28- الطبقات 2/369 .
29- المصدر السابق 2/370 .
30- المصدر السابق 2/372 .
31- الطبقات الكبرى 2/369 – 370 .
32- البداية والنهاية 8/323 .
33- المستدرك 3/535 ، الطبقات 2/366 .
34- السحوق : هي النخلة الطويلة التي بعد ثمرها على المجتني (( النهاية في غريب الحديث )) 2/347 .
35- طبقات ابن سعد 2/370 .

بحث سريع