العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

بواسطة | د. ناصر علي الشيخ
2005/04/03
هو أبو الفضل العباس بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف القرشي الهاشمي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه نتيلة بنت جناب بن كلب – ولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ، وهو من سادة قريش في الجاهلية والإسلام ، وجد الخلفاء العباسيين ، وكانت إليه في الجاهلية السقاية وعمارة المسجد الحرام ، حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم وشهد بدراً مع الكفار مكرهاً فأسر ، ثم افتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب ورجع إلى مكة ، وأسلم وكتم إسلامه وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبار قريش ، وهاجر إلى المدينة قبل الفتح بقليل وشهد فتح مكة ، وثبت يوم حنين ، وكان عظيم المكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم يعترف له بسداد الرأي ، وكان الفاروق رضي الله عنه يستسقي به إذا قحطوا ، توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين للهجرة ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه )) (1) . وقد وردت في بيان مناقبه أحاديث كثيرة كلها دلت على أنه عظيم المقام جليل القدر ومن تلك الأحاديث :
1- ما رواه أبو القاسم الطبراني بإسناده إلى أبي رافع رضي الله عنه أنه بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم(1) . فلقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأعتق أبا رافع لما بشره بإسلامه ففيه منقبة ظاهرة للعباس . وروى الترمذي وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :     (( إن العباس مني وأنا منه )) (2) . جاء في تحفة الأحوذي : قوله : (( العباس مني وأنا منه )) قال في المرقاة : (( أي من أقاربي ، أو من أهل بيتي أو متصل بي )) اهـ(3) .
3- ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان سباقاً لأداء ما أوجب الله عليه من الفرائض فقد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له بأداء زكاته قبل أن يحل وقتها . فقد روى الحاكم بإسناده إلى علي رضي الله عنه أن العباس بن عبد المطلب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعديل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك )) (4) .
4- وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل : منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأمّا خالد فإنكم تظلمون خالداً وقد احتبي أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأمّا العباس فهي علي ومثلها معها )) ثم قال : (( يا عمر أما شعرت أن عمر الرجل صنو أبيه )) (5) .
5- وروى الإمام أحمد وغيره إلى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (( أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً وأنا عنده فقال : (( ما أغضبك  ؟ )) قال : يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة ؟ وإذا لقونا بغير ذلك قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ثم قال : (( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله )) ثم قال : (( يا أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه )) (6) . هذه الأحاديث الثلاثة بين النبي صلى الله عليه وسلم للأمة فيها فضل العباس بن عبد المطلب ومكانته منه عليه الصلاة والسلام . قال ابن الأثير رحمه الله تعالى : (( الصنو : المثل ، وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد يريد أن أصل العباس وأصل أبي واحد وهو مثل أبي أو مثلي وجمعه صنوان )) (7) . على هذا فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( وأن عم الرجل صنو أبيه )) أي : مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه )) . 6- ومن مناقبه العظيمة التي اختص بها وشرف بها رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجله إجلال الولد والده ويبالغ في إكرامه . فقد روى لحاكم بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل العباس إجلال الولد والده خاصة خص الله العباس بها من بين الناس )) (8) .
7- وروى الحاكم أيضاً : بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان العباس بالمدينة فطلبت الأنصار ثوباً يلبسونه فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه قال جابر : وكان العباس أسير رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وإنما أخرج كرهاً فحمل إلى المدينة فكساه عبد الله بن أبي قميصه فلذلك كفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه لما فعل بالعباس(9) . وهذا الحديث فيه بيان فضيلة ظاهرة للعباس رضي الله عنه بإكرام النبي صلى الله عليه وسلم له حيث أعطى ثوبه عليه الصلاة والسلام كفنا ًلعبد الله بن أبي مكافأة له على إعطائه قميصا ُللعباس حين كان أسيراً يوم بدر .
8- وروى أيضاً : بإسناده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن العلاء بن الحضرمي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين بثمانين ألفاً فما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكثر منه لا قبلها ولا بعدها فأمر بها ونثرت على حصير ونودي بالصلاة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل على المال قائماً فجاء الناس وجعل يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن وما كان إلا قبضاً فجاء العباس فقال يا رسول الله إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر ولم يكن لعقيل ما أعطني من هذا المال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خذ )) فحثى في خميصة كانت عليه ثم ذهب ينصرف فلم يستطع فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ارفع علي فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أمّا أحد ما وعد الله فقد أنجز لي ولا أدري الأخرى )) { قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم } هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع بالمغفرة(10) .في هذا الحديث فضيلة ظاهرة للعباس رضي الله عنه وهي أنه عليه الصلاة والسلام كان يحبه حباً شديداً فقد أعطى المصطفى عليه الصلاة السلام الصحابة من مال البحرين بيده ولما جاء العباس أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ لنفسه بيده .
9 – ومن مناقبه العظيمة التي رفعت من شأنه وعلت من مكانته ثبوته الصادق حين حمي الوطيس وفر الناس يوم حنين . فقد روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى العباس رضي الله عنه قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته له بيضاء أهداها له فروة الجذامى فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال عباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة ألا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أي عباس ناد أصحاب السمرة )) فقال عباس : (( وكان رجلاً صيتاً )) فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة قال : فوالله عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا : يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقلون : يا معشر الأنصار قال : ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هذا حين حمي الوطيس )) قال : ثم أخذ رسول الله حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار ثم قال : (( انهزموا ورب محمد )) قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال : فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبراً )) (11) . هذا الحديث اشتمل على بيان منقبة عظيمة لأبي الفضل رضي الله عنه حيث أنه وقف موقف الشجاع المقدام لحرب المشركين من أجل إعلاء كلمة الحق ونصرة دين الإسلام فلقد ثبت في وقعة حنن من أول المعركة إلى آخرها مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك فصل المعركة وما دار فيها تفصيلاً كاملاً رضي الله عنه وأرضاه .
10 – لقد بين الفاروق رضي الله عنه للأمة عامة فضل العباس بن عبد المطلب ومكانته من سيد الخلق ووضح ذلك وضوحاً كاملاً . فقد روى البخاري إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال : فيسقون )) (12) . ففي هذا الأثر عن الفاروق رضي الله عنه بيان لفضل العباس بن عبد المطلب ، كما تضمن أيضاً فضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه . والمراد بتوسل عمر رضي الله عنه بالعباس بدعائه لا بذاته إذ التوسل بدعاء أهل الصلاح والفضل نوع من أنواع التوسل المشروع . قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى :      (( وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال : اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الحبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس )) (13) . تلك طائفة من الأحاديث التي تضمنت مناقب عالية للعباس رضي الله عنه وكلها دلت على أن عظيم المقام جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه .

1- طبقات ابن سعد 4/5-33 ، الجرح والتعديل 6/210 ، المستدرك 3/321 ، الاستيعاب على حاشية الإصابة 3/94 – 101 ، صفة الصفوة 1/506 – 510 ، مجمع الزوائد 9/268 تهذيب التهذيب 5/214 – 215 ، الإصابة 2/263 ، أسد الغابة 3/109 – 121 .
2- أورده الهيثمي في المجمع 9/268 ، وقال : رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن .
3- سنن الترمذي 5/317 وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، المستدرك 3/325 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 4/24
4- تحفة الأحوذي 10/265 .
5- المستدرك 3/322 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
6- صحيح مسلم 4/676 – 677 .
7- المسند 4/165 والترمذي في سننه 5/317 – 318 وقال هذا حديث حسن صحيح ، والحاكم في المستدرك 3/33 .
8- النهاية في غريب الحديث 3/57 .
9- المستدرك 3/324 – 325 ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
10- المستدرك 3/330 – 331 ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي .
11- المستدرك 3/329 – 330 ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي .
12- صحيح مسلم مع شرح النووي 12/113 – 117 .
13- صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 2/494 .
14- فتح الباري 2/497 .

بحث سريع