الحسن بن علي رضي الله عنه

بواسطة | د. ناصر بن علي الشيخ
2005/04/03
هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابن بنته فاطمة الزهراء وريحانته ، وأشبه خلق الله به في وجهه ولد للنصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه وسماه حسناً ، وهو أكبر ولد أبويه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حباً شديداً حتى يقبل زبيبته(1) وهو وربما مص لسانه واعتنقه وداعبه ، وبما جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد في الصلاة فيركب على ظهره فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله وربما صعد على المنبر(2)   (( وكانت وفاته رضي الله عنه سنة خمسين من الهجرة بالمدينة النبوية )) (3) .وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان مناقبه رضي الله عنه منها ما وردت فيه منقبة خاصة به ، ومنها ما فيه منقبة مشتركة بينه وبين أخيه الحسين وكذلك الحسين رضي الله عنه وردت له مناقب انفرد بها ومناقب أخرى اشترك فيها مع أخيه الحسن وسأبدأ بذكر طائفة من المناقب التي انفرد بها كل واحد منهما ، ثم أعقب بذكر طائفة من المناقب التي اشتركا فيها معاً رضي الله عنهما . فمن المناقب التي انفرد بها الحسن رضي الله عنه :
1 – ما رواه البخاري بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن(4) .
2- روى البخاري بإسناده إلى أبي بكرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول : (( ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين )) هذا الحديث فيه منقبة للحسن رضي الله عنه فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد . قال ابن الأثير : (( قيل أراد به الحليم لأنه قال في تمامه : (( وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )) (5) . وداء في تحفة الأحوذي : (( فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة وهو مشتق من السؤدد وقيل من السواد لكون يرأس السواد العظيم من الناس : أي الأشخاص الكثيرة ولعل الله أن يصلح به بين فئتين تثنية فئة وهي الفرقة )) (6)  وصفه عليه الصلاة والسلام للفئتين العظيمتين كما في رواية عند البخاري(7) (( لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن رضي الله عنه وفرقة مع معاوية وهذه معجزة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر ، وأوصل القضية أن عليّ بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة وأقام الحسن أياماً مفكراً في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر ، ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقه سلم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وقيل من ربيع الآخر وقيل في غرة جمادى الأولى وكانت خلافته ستة أشهر إلا أياماً وسمي هذا العام عام الجماعة وهذا الذي أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم (( لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين )) (8) .(( فالحديث فيه علم من أعلام النبوة ، ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة )) (9) .
3- وروى الشيخان في صحيحهما عن البراء بن عازب قال : رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : (( اللهم إني أحبه فأحبه )) (10) .
4- وروى البخاري بإسناده إلى أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول : (( اللهم إني أحبهما فأحبهما )) (11) .
5- وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى خباء فاطمة فقال : (( أثم لكع أثم لكع )) يعني (( حسناً )) فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخاباً(12) (( فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه )) . هذه الثلاثة الأحاديث فيها بيان لفضل الحسن بن علي كما تضمنت الحث علي حبه رضي الله عنه وأرضاه .
6- وروى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن عليّ(13) .
7- روى أيضاً بإسناده إلى عقبة بن الحارث قال : رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول : بأبي شبيه بالنبي . ليس شبيهاً بعلي وعليٌّ يضحك(14) .
فكونه رضي الله عنه شبه جده عليه الصلاة والسلام في الخلق منقبة عظيمة له وفضيلة ظاهرة .
8- وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي الحسن بن علي فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بطنك فاكشف الموضع الذي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله قال : وكشف له الحسن فقبله )) (15). فتقبيل المصطفى عليه الصلاة والسلام لأبي محمد الحسن بن علي رضي الله عنهما منقبة عظيمة ، وفضيلة ظاهرة ، ولذلك حرص أبو هريرة على أن يقبله في الموضع الذي قبله فيه النبي صلى الله عليه وسلم لإظهار هذه المنقبة العظيمة .
9- وروى أيضاً بإسناده إلى أبي سعيد المقبري قال : كنا مع أبي هريرة فجاء الحسن بن علي بن أبي طالب علينا فسلم فرددنا عليه السلام ولم يعلم به أبو هريرة فقلنا له يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا فلحقه وقال : وعليك السلام يا سيدي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنه سيد )) (16) . فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحسن سيد مفخرة عظيمة وميزة شريفة له رضي الله عنه وأرضاه .
10 – وروى أيضاً : بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال لا أزال أحب هذا الرجل بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ما يصنع رأيت الحسن في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه في لحية النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه ثم قال : (( اللهم إني أحبه فأحبه )) (17) .
11- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى معاوية رضي الله عنه قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه أو قال شفتيه – يعني الحسن بن علي – وإنه لن يعذب لسان أو شفتان يمصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم )) (18) . فإدخاله عليه الصلاة والسلام لسانه في فم الحسن رضي الله عنه ومص لسانه وإخباره بأنه يحبه ودعا الله تعالى أن يحبه منقبة عظيمة تدل على علو شأنه وبيان مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان الحسن رضي الله عنه مكرماً معززاً عند الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين ولوا أمر الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم . قال الحافظ ابن كثير : (( وقد كان الصديق يجله ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه ، وكذلك عمر بن الخطاب ، فروى الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن أبيه أن عمر لما عمل الديوان فرض للحسن والحسين مع أهل بدر في خمسة آلاف خمسة آلاف ، وكذلك كان عثمان بن عفان محصور عنده ومعه السيف متقلداً به يحاجف عن عثمان ، فخشي عثمان عليه فأقسم عليه ليرجعن إلى منزلهم تطييباً لقلب عليّ ، وخوفاً عليه رضي الله عنهم وكان عليّ يكرم الحسن إكراماً زائداً ويعظمه ويبجله وقد قال له يوماً  : يا بني ألا تخطب حتى أسمعك ؟ فقال : إني أستحي أن أخطب وأنا أراك فذهب علي فجلس حيث لا يراه الحسن ، ثم قام الحسن في الناس خطيباً وعلي يسمع فأدى خطبة بليغة فصيحة فلما انصرف جعل علي يقول : { ذرية بعضها من بعض والله سميعٌ عليم }(19) ..وقد كان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم عليه ، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما رضي الله عنهما وأرضاهما . وكان ابن الزبير يقول : والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي . وقال غيره : كان الحسن إذا صلى الله عليه وسلم الغداة في مسجد رسول الله يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس ، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده ، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهم وربما أتحفنه ، ثم ينصرف إلى منزله )) (20) تلك طائفة من مناقب الحسن بن علي التي انفرد بها رضي الله عنه وكلها تدل على أنه جليل القدر رفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه .

1- زبيبته : الزبيبة زبدة ترى في شدق الإنسان إذا تكلم ، وقيل : قرحة سوداء تظهر على الجبين ، انظر لسان العرب 1/445 .
2- البداية والنهاية 8/36 ، وانظر الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/368 – 377 ، صفة الصفوة 1/758 – 761 ، حلية الأولياء 2/35 ، الإصابة 1/327 – 330 ، سير أعلام النبلاء 3/245 .
3- صفة الصفوة 1/762 ، الإصابة 1/330 ، فتح الباري 7/95 .
4- صحيح البخاري 2/305 .
5- صحيح البخاري 2/306 .
6- النهاية في غريب الحديث 3/417 .
7- تحفة الأحوذي 10/277 .
8- صحيح البخاري 2/114 .
9- عمدة القاري 13/282 ، وانظر تاريخ الأمم والملوك للطبري 5/185 ، الكامل 3/403 سير أعلام النبلاء 3/144 – 145 ، معالم السنن 4/311 .
10- فتح الباري 13/66 .
11- صحيح البخاري 2/306 ، صحيح مسلم 4/1883 .
12- صحيح البخاري 2/306 .
13- سخاباً : جممعه سخب وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان ، النهاية في غريب الحديث 2/349 .
14- صحيح مسلم 4/182 – 1883 .
15- صحيح البخاري 2/306 .
16- صحيح البخاري 2/306 .
17- المستدرك 3/168 ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي .
18- المصدر السابق 3/169 ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
19- المستدرك 3/169 ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولميخرجاه ووافقه الذهبي .
20- المسند مع الفتح الرباني 23/167 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/177 وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .
21- سورة آل عمران آية 34 .
22- البداية والنهاية 8/40 .


 

بحث سريع