إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم

بواسطة | د. ناصر بن علي الشيخ
2005/04/03
ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وأمه مارية القبطية التي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الاسكندرية ولما ولد بشر النبي صلى الله عليه وسلم به أبو رافع مولاه فوهب له عبداً ومات طفلاً قبل الفطام(1) . وقد وردت أحاديث كثيرة فيها بيان فضله وسرور النبي صلى الله عليه وسلم به ومن تلك الأحاديث  .
1- ما رواه الإمام مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم )) (2) .
2- روى أيضاً بإسناده إلى أنس بن مالك قال : ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي(3) المدينة لكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن وكان ظئره(4) قينا(5) فيأخذه فيقبله ثم يرجع قال عمرو : فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن إبراهيم ابني وأنه مات في الثدي(6) وإن له لظئرين(7) تكملان رضاعه(8) في الجنة )) (9) .
3- وروى الإمام البخاري بإسناده إلى البراء بن عازب قال : لما مات إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن له مرضعاً في الجنة )) (10) .
4- وروى الإمام أحمد بإسناده إلى البراء بن عازب قال : لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أما إن له مرضعاً في الجنة ))   ومعنى هذه الأحاديث أن له مرضعاً في الجنة تكمل إرضاعه لأنه لما مات كان ابن ستة عشر شهراً ، أو ثمانية عشر شهراً على اختلاف الروايتين(11) . فيرضع بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن (( وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم رضي الله عنه يكون عقب                                   موته فيدخل الجنة متصلاً بموته فيتم فيها رضاعة كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم )) (12)
 2- وروى البخاري بإسناده إلى إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لابن أبي أوفى رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : مات صغيراً ، ولو قضى أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه ولكن لا نبي بعده(13) . قال الحافظ هكذا جزم به عبد الله بن أبي أوفى ومثل هذا لا يقال بالرأي وقد توارد عليه جماعة : فأخرج ابن ماجة من حديث ابن عباس قال : مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن له مرضعاً في الجنة لو عاش لكان صديقاً نبياً ولأعتقت أخواله القبط )) (14) . وروى أحمد وابن منده من طريق السدي (( سألت أناساً كم بلغ إبراهيم ؟ قال : كان قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبياً ، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء ))
ولفظ أحمد لو عاش إبراهيم ابن النبي لكان صديقاً نبياً(15) فهذه عدة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصحابة أنهم أطلقوا ذلك فلا أدري ما الذي حمل النووي في ترجمة إبراهيم المذكور من كتاب (( تهذيب الأسماء واللغات )) على استنكار ذلك ومبالغته حيـث قال : هو باطل وخسارة في الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلل(16) ، ويحتمل أن يكون استحضر ذلك عن الصحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممن تأخر عنهم فقال ذلك وقد استنكر قبله ابن عبد البر في الاستيعاب الحديث المذكور فقال : هذا لا أدري ما هو وقد ولد لنوح من ليس بنبي وكما يلد غير النبي نبياً فكذا يجوز عكسه(17) حتى نسب قائله إلى المجازفة والخوض في الأمور المغيبية بغير علم إلى غير ذلك مع أن الذي نقل عن الصحابة المذكورين إنما أتوا فيه بقضية شرطية(18) . ولما مات إبراهيم رضي الله عنه حزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم حزناً عظيماً حتى ذرفت عيناه عليه الصلاة والسلام بالدمع عليه فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم )) ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له : أبو سيف فانطلق يأتيه واتبعته فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخاناً فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه وقال ما شاء الله عن يقول : فقال أنس : لقد رأيته وهو يكيد بنفسه(19) بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون )) (20) . والذي أخلص إليه مما تقدم في الأحاديث أنها اشتملت على بيان فضل إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مكانته عند المصطفى عليه الصلاة والسلام ، كما دلت على أنه جليل القدر رفيع المنزلة .
 



1- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/134 – 135 ، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/23 – 27 ،زاد المعاد 1/103 – 104 ، أسد الغابة 1/38 – 40 .
2- صحيح مسلم 4/1807 .
3- عوالي المدينة : هي القرى التي عند المدينة (( شرح النووي )) 15 / 76 .
4- ظئره : أي زوج مرضعته .
5- قينا : أي حداد والقين : هو الحداد والصائغ (( النهاية لابن الأثير )) 4/135 .
6- معناه مات : وهو في سن رضاع الثدي ، أو حال تغذيته بلبن الثدي (( شرح النووي ))15/76 .
7- قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث : (( فيه ذكر ابنه إبراهيم عليه السلام فقال : إن له ظئراً في الجنة (( الظئر المرضعة غير ولدها ويقع على الذكر والأنثى )) اهـ 3/154 .
8- تكملان رضاعه (( أي : تتمانه سنتين )) شرح النووي على صحيح مسلم 15/76 .
9- صحيح مسلم 4/1808 .
10- صحيح البخاري 4/80 .
11- المسند 4/284 .
12- 1/139 .
13- فتح الباري 10/579 ، وانظر شرح النووي عليى صحيح مسلم 15/76 .
14- شرح النووي على صحيح مسلم 15/76 .
15- صحيح البخاري 4/80 .
16- سنن ابن ماجة 1/484 وقد تكلم أهل العلم في سند هذا الحديث من جهة إبراهيم بن عثمان فقد قال البخاري : سكتوا عنه وقال يحيى بن معين : ليس بثقة وقال النسائي والدولابي : متروك الحديث وقال أبو حاتم ضعيف الحديث سكتوا عنه وتركوا حديثه ، وقال الجوزجاني : ساقط وقال صالح جزره ضعيف لا يكتب حديثه (( التهذيب )) 1/144 .
17- المسند 3/281 .
18- تهذيب الأسماء واللغات 1/103 .
19- الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/27 .
20- فتح الباري 10/579 .
21- أي يجود بها . ومعناه : وهو في النزع .
22- صحيح مسلم 4/1807 – 1808 .

بحث سريع