ترتيب الصحابة في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة

بواسطة | د. الشريف حاتم العوني
2005/04/04

هل يوجد نص على ترتيب الصحابة –رضي الله عنهم- في الأفضلية على النحو التالي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين…مع أننا نجد مثلاً أن بعض المُؤخَّرين سبق إسلامه بعض المُقدَّمين، وأن بعض المؤخرين شهد من المشاهد ما لم يشهده بعض المقدمين، وهكذا، وهل كونهم استخلفوا على هذا الترتيب يجعل أفضليتهم على نفس الترتيب؟ مع أننا نعلم أن الخلافة تجوز وتتحقق بالكفاية ولا تقتضي الأفضلية، وقد أمَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد -رضي الله عنه-على جيش فيه شيوخ المهاجرين والأنصار، وما حكم من يخالف هذا الترتيب في الأفضلية مع الحب والتوقير والاقتداء بالجميع، كأن يرى مثلاً أن أبا بكر وعلياً بمرتبة واحدة، يليهما عمر ثم عثمان – رضي الله عنهم-، حيث إنه باستعراض أحاديث الفضائل نجد أن كلاً من أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما- يكادان يكونان متساويين، وما من حديث في فضل أحدهما إلا ويقابله حديث لا يقل عنه في فضل الآخر (ولا مجال هنا لاستعراض هذه الأحاديث) أتمنى أن أحصل على إجابة مفصّلة تشفي الغليل.وجزاكم الله خيراً ووفقكم لكل خير.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أقول وبالله التوفيق: لقد استقرّ قول أهل السنة والجماعة في التفضيل بين أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، على أنهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة: فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي- رضي الله عنهم أجمعين-.
ويدل على هذا المعتقد أمور، منها حديث ابن عمر – رضي الله عنهما-، قال: (كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فنُخيَّر أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان – رضي الله عنهم-) أخرجه البخاري(3655-3698).
وهذا الحديث وإن كان من كلام ابن عمر – رضي الله عنهما-، لكنه في حكم المرفوع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه حكاية لما كانوا يقولون في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- دون إنكار من النبي –صلى الله عليه وسلم- عليهم. وقد جاء التصريح بإقرار النبي –صلى الله عليه وسلم- لذلك، وأنه كان يبلغه هذا التفضيل فلا ينكره، كما في السنة لابن أبي عاصم(1227)، والسنة للخلال(577).
وكذلك جاء التصريح بإقرار أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهم عدد وفير في حياته صلى الله عليه وسلم لذلك، كما في مسند الإمام أحمد (4626).
وعن محمد بن الحنفية – والحنفية هي أمه-، وهو ابن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-، قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين". أخرجه البخاري(3671).
وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-: "إنا اجتمعنا أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم-، فلم نأل عن خيرنا ذي فوق، فبايعنا أمير المؤمنين عثمان". أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة بإسناد صحيح(391-731-759)، ومعنى "ذي فوق": أي إنه خيرنا سهماً تاماً في الإسلام والسابقة والفضل. (غريب الحديث لأبي عبيد4/82). وهذا إجماع من الصحابة – رضي الله عنهم- على أن عثمان – رضي الله عنه- أفضل الصحابة بعد عمر – رضي الله عنه-.
وهذه نصوص واضحة الدلالة في ترتيب الفضيلة، وخاصة أن أحدها صادر من رابعهم وهو علي – رضي الله عنه-. وأما التربيع في الفضيلة بعلي – رضي الله عنه-، فيدل عليه أنه رابع الخلفاء الراشدين، وماله من المناقب الكثيرة التي تقطع بعظيم مكانته، مما لم يثبت مثله ولا قريب منه لأحد من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- سواه، إلا ما كان من أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم-، كما سبق ذكر بعضه.
ولا أظن أننا محتاجون لإيراد فضائل علي – رضي الله عنه-، إذ لا خلاف في تقديمه رضي الله عنه. وإنما خولف أهل السنة في تفضيله رضي الله عنه- على أبي بكر وعمر، أو على عثمان – رضي الله عنهم-. ولذلك إنما نستدل على بيان تقديم أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم- على علي – رضي الله عنه-، وأما أنه تاليهم في الفضيلة، فلا يخالف في ذلك أهل السنة، إنما يخالف فيه الآن النواصب، وهم في غلو البغض لعلي – رضي الله عنه- كغلو المحبة عند الرافضة، كلاهما غلو مبتدع مذموم. والله أعلم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

بحث سريع