وثائق مخصصات الحرمين في مصر أبان العصر العثماني

بواسطة | مصطفى محمد رمضان
2005/04/05
منذ زمن قديم ومصر تولى اهتماماً كبيراً بالحرمين الشريفين : حرم مكة المكرمة وحرم المدينة المنورة الذين تعلقت أفئدة مسلمي مصر بهما ، فأخذت تهوي اليهما في كل عام حاملة معها الحب والخير والزاد لأهالي الحرمين .
وتعددت أوجه عناية المصريين بالحرمين الشريفين ،فتعهدوا بكسوة الكعبة وإرسال الصرة الشريفة والغلال إلى أهالي الحرمين كل عام ، وعمل الكثيرون من الحكام والأمراء وأهل البذل من الأغنياء على وقف كثير من الأراضي الزراعية والعقارات المبنية وخصصوا ريعها ( محصولها ) لأهالي الحرمين يرسل كل عام على هيئة ما كان يسمى (( الصرة الشريفة إلى أهالي الحرمين )) .
وبين أيدينا وثائق لمخصصات الحرمين في مصر إبان العصر العثماني ، وهي مسجلة في سجلات محفوظة كوديعة أرشيفية ضمن محفوظات مصلحة التوثيق والشهر العقاري بالقاهرة التابعة لوزارة العدل المصرية ، وهذه السجلات عبارة عن نوعين :
1)النوع الأول :
ويتعلق بوثائق الصرة الشريفة : أي الأموال التي كانت ترسل كل عام من مصر إلى أهالي الحرمين ، وتوجد تلك الوثائق مسجلة في سجلات الديوان العالي والتي كانت تتبع والي مصر في العصر العثماني
2) النوع الثاني :
ويتعلق بوثائق موارد ومصادر أموال الصرة الشريفة في مصر ، ونعني بها وثائق أوقاف الحرمين ، وتوجد تلك الوثائق مسجلة في سجلات المحاكم المصرية ابن العصر العثماني .
و قبل المضي في هذا البحث ينبغي التنويه بادئ ذي بدء بما يأتي :
أولا : إننا بصدد اثر تاريخي هام طالما أهمل في زوايا النسيان وتركت محتوياته دون إطلاع ،على الرغم من تنقلها في خزائن المحفوظات المصرية منذ العصر العثماني حتى ألان وقد آن الأوان لكشف الستار عنها .
ثانيا : إن هذه الوثائق بنوعيها مهمة لمن يتعرضون للكتابة في تاريخ الحرمين وعناية المسلمين بهما ، وتاريخ الحرمين جزء أساسي من تاريخ الجزيرة العربية ، بل لا نكاد نعدو الحقيقة إذا قلنا : أن تاريخ الحرمين هو العمود الفقري لتاريخ الجزيرة العربية ، منذ ظهور الإسلام حتى ألان .
ثالثا : إنني عندما أقدمت على هذه الدراسة كنت أصدر عن تقديس عظيم لنظام الإسلام في مجال التضامن الاجتماعي , ليس بين الإقليم الإسلامي الواحد ، ولكن بين شعوب الأقاليم الإسلامية المختلفة مهما بعدت بينها الشقة . وسنتناول في بحثنا هذا كلا النوعين المشار اليهما من الوثائق ، مع بيان أهميتها في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الحجاز ومصر ، وسنقسم بحثنا إلى قسمين :
القسم الأول :
ونتحدث فيه عن محتوى تلك الوثائق ومضمونها وأهميتها في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الحجاز ومصر ، التي هي جزء من تاريخ الجزيرة العربية .
القسم الثاني :
وهو دراسة أرشيفية نتحدث فيها عن طبيعة تلك الوثائق ، وكيفية الإطلاع عليها والاستفادة منها .
( القسم الأول ) :
أما فيما يتعلق بالقسم الأول من هذه الدراسة ، واعني به محتوى مضمون تلك الوثائق وما اشتملت عليه من معلومات هامة في تاريخ العلاقات الاقتصادية الحجازية المصرية ، فبالنسبة لوثائق الصرة الشريفة ، فإننا نجدها مسجلة في سجلات الديوان العالي ، وهي على جانب كبير من الأهمية .
وأول ما وقع تحت أيدينا منها : وثائق صرة عام 1154 هـ (1741 م) ، ففي تلك السنة كان أمير قافلة الحج المصرية وهو المملوك الكبير عمر بك غيطاس أمير اللوا (1) ، وقد تسلم صورة لكل وقف من أوقاف الحرمين (2) بمصر ، وأخذت الحكومة عليه أشهادا خاصة بكل صرة على حدة ، كما أخذت عليه أيضاً اشهاداً خاصاً بالصرة الميري ( الحكومية ) أي (( المعتاد إرسالها من الحكومة المصرية إلى أهـالي الحرمين الشريفين )) .
وهذه الاشهادات عبارة عن وثيقة مكتوبة بحضور شهود من كبار رجال الدولة أمثال : كتخذا الوالي ( وكيل الوالي ) ، ودفتر دار مصر ، وقاضي العسكر ( قاضي القضاة في مصر ) ، او وكيله وهو ما كان يشار اليه بقولهم : ((مولانا افندي )) ، وبعض موظفي الديوان العالي ، وكتبةالصرة ، ((وغيرهم من الحضار ممن يطول ذكرهم )) ، وجرت العادة في العصر العثماني ان هذه الاشهادات كانت تكتب بمجلس شرع شريف ينعقد بصيوان (خيمة )أمير الحج المنصوبة بمكان خارج القاهرة يسمى (( بركة الحج )) (3) .
وتحرر هذه الوثيقة بإملاء رزنا مجي الديوان العالي ( رئيس الكتبة بالديوان ) ، ويذكر فيها مبلغ الصرة ( الميري أو الخاصة بوقف معين من أوقاف الحرمين ) مفقطة بالحروف بغير ذكر للأرقام الحسابية ، وجملتها بالأكياس والأنصاف الفضة المصرية ، ثم تذكر قيمة العملة الذهبية وحساب كل دينار من الذهب (إن وجد )في تلك الأيام ، فعلى سبيل المثال جاء بعد ديباجة صرة الحكومة عام 1154 هـ ما يلي :
(( بعد أن تحرر بإملاء فخر أرباب القلم الأمير عبدالله أفندي الرزنامجي المومى إليه أعلاه إن الصرة الشريفة الميري الإرسالية إلى أهالي الحرمين الشريفين شرفهما الله تعالى وعظمهما إلى يوم الدين عن واجب سنة أربع وخمسماية وألف جملتها من الأكياس المصرية التي عبوة كل كيس خمسة وعشرون ألف نصف فضة ديواني : ثلاثماية كيس وسبعة عشر كيسا مصرية وكسور عشرون ألف نصف وماية نصف وثلاثة وعشرون نصفا فضة ، بحساب الفندقلي ، ماية نصف وستة وأربعون نصف فضة والزار محبوب ماية نصف وعشرة أنصاف فضة )) ( 4) .
ثم يلي ذلك توزيع الصرة على أهالي الحرمين ، فيعين فيها ما هو لأهالي مكة المشرفة وما هو لأهالي المدينة المنورة ، ثم يعين نصيب شريف مكة منها وشريف جدة وأولاد وعيال شريف يحيى باشا ،وعوا يد العربان وأولاد شرف عبدالله بركات ،وأنعام شيخ الحرم النبوي ، وأنعام شريف ينبع المبارك ،وغيرهم وقد فرغت بيان توزيع الصرة الميري لسنة 1154هـ على أهالي الحرمين من الوثيقة ، ونظمتها في الجدول التالي بالأرقام الحسابية :
نصف فضة كيس أسماء أصحاب المرتبات من الصرة الميري
1154 261 لأهالي مكة المشرفة والمدينة المنورة
15000 21 صرة شريف مكة
10000 3 صرة الشريف حسين بن الشريف بركات
13500 — ثمن أرز برسم الشريف حسين المذكور
11000 1 صرة شريف أرخان
13652 3 واجبات أولاد وعيال شريف يحيى باشا
6400 — عوايد عربان
10000 3 صرة أولاد الشريف عبدالله بركات
13500 — ثمن أرز شريف عبدالله بركات
20917 6 ثمن أرز شريف مكة مع نولون
– 8 عن أنعام شيخ الحرم النبوي
5000 7 أنعام شريف أمير ينبع المبارك
20123 317 جملة الصرة الميري المرسلة من الحكومة المصرية إلى أهالي
الحرمين الشريفين في عام 1154 هـ (5)
وفي نهاية الوثيقة تأتي صيغة الاشهاد وهي كما يلي :
(( اشهد على نفسه قدوة الأمراء الكرام . . . الأمير عمر بك مير اللوا الشريف بمصر وأمير الحج الشريف حالا نجل المرحوم . . . علي بك غيطاس مير اللوا والحج الشريف المصري ، كان شهوده الاشهاد الاشهاد الشرعي وهو بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعا انه قبض وتسلم ووصل إليه مبلغ الثلاثماية كيس والسبعة عشر كيسا والعشرون ألف نصف والماية نصة والثلاثة وعشرون نصف فضة ، مبلغ الصرة الميري المذكور أعلاه بالحساب المعين أعلاه ، قبضا وتسليما ووصولا شرعيات بتمام ذلك وكماله باعترافه بذلك الاعتراف الشرعي )) .
ثم تذكر الوثيقة بان عليه إحضار ما يشهد له بتبليغ ذلك لأربابه :
(( وعليه حمل ذلك وصونه وتسليمه لمن له ولاية تسليم ذلك لأربابه ، وعليه بإحضار ما يشهد له بوصول ذلك حكم المعتاد والجاري به العادة (6) .وقع ذلك بحضور (ثلاثة من كتبة الصرة ) . . . وثبت الاشهاد بذلك لدى مولانا أفندي المومى إليه أعلاه شهادة شهوده ثبوتا شرعيا . . . وحرر في سادس عشرين شهر شوال الجاري سنة أربعة وخمسين وماية وألف )) (7) .
وتكاد تكون هذه الصيغة هي الصيغة المعتادة التي ظلت تؤخذ على أمير الحج في كل سنة للصرة المرسلة إلى أهالي الحرمين في مصر حتى عام 1228 هـ ،1813 م، وكان يليها في السجل أشهادات أخرى ببقية الأموال المرسلة إلى أهالي الحرمين في مصر واشهد بصرة كل وقف من أوقاف سلاطين بني عثمان وبعض أوقاف أخرى ، و ذكرت في عام 1154هـ (1741م ) كما يلي :
اسم الوقف صرته في عام 1154 هـ
وقف السلطان مراد ، والسلطان محمود 557236 نصفا فضة
وقف الدشيشة (8) المحمدية 497984 نصفا فضة
وقف الحرمين الشريفين 455842 نصفا فضة
وقف الخاصكية (9)المستجدة 537100 نصفا فضة
وقف السلطان أحمد خان 225040 نصفا فضة
وقف الشيشة الكبرى 708742 نصفا فضة
وقف بشير اغا وكيل دار السعادة 150675 نصفا فضة
وقف الخزينة 80000 نصفا فضة
وقف اسكندر باشا 12600 نصفا فضة
وقف علي باشا السيكي 20000 نصفا فضة
وقف سنان باشا 22000 نصفا فضة
وقف الخاصكية القديمة 125000 (10) نصفا فضة
وذكر في اشهاد كل صرة من الصرر السالفة بيان توزيعها : ما هو لأهالي مكة ، وماهو لأهالي المدينة .ولولا خوف الإطالة لذكرنا هنا بيان توزيع كل صرة .
وصفوة القول إن سجلات الديوان العالي ظلت تفرد لصرة كل وقف اشهادا على حدة حتى سنة 1228هـ ( 1813م ) ، ففي تلك السنة استولى محمد علي باشا على أوقاف مصر كلها ريع أوقاف الحرمين إلى خزينة الرزنامة (11) المصرية ، وابتداء من تلك السنة كان يسجل على أمير الحج اشهاد تذكر فيه جميع الأموال التي يحملها معه إلى أهالي الحرمين بما فيها الصرة الحكومية وأوقاف سلاطين ال عثمان في مصر ( والتي كانت تسمى بأوقاف اغات دار السعادة ) وأوقاف أخرى ، وتليها وثيقة ثانية يذكر فيها بيان بتوزيع كل صرة بالنسبة لما يخص أهالي مكة وأهالي المدينة .
وهذه بيانات أخر صرة ذكرت في سجلات الديوان العالي لعام1273هـ (1856م ) ومبلغها :
نصف كيس (8746ر4234 ) (12)
نصف فضة كيس جهة الصرف وبيان التوزيع
3934 834 من جهة الخزينة العامرة وهو مبلغ الصرة الميري
14254 127 من جهة أوقاف اغات دار السعادة وأرباب خيرات واحكار بمصر
فضة كيس
توزيعها 1604ر68 لأهالي مكة
12650ر23 لأهالي المدينة
6855 32 من جهة أوقاف برائية معتاد صرفها من الخزينة العامرة الرزنامة
توزيعها 18473ر8 لأهالي مكة
8382ر23 لأهالي المدينة
19851 294 عوائد الأشراف والعربان بمكة والمدينة
4820 63 أنعامات باسم الأشراف والعربان بمكة والمدينة
17167 1286 مصاريف الزخاير بمكة والمدينة ، ومطلوب الايالة بجدة لغاية سنة1270هـ
16640 435 مرتب إطعام طعامية بتكيات مكة والمدينة عن إيراد وقف محمد علي باشا
توزيعها 11840ر153 مرتب تكيات مكة المكرمة
4800ر282 مرتب تكيات المدينة المنورة
11385 507 مرسل أمانات للمتقاعدين المجاورين بمكة والمدينة وجدة من ديوان الرزنامة
17280 53 مصاريف دايرة المحمل الشريف والصرة الشريفة ذهابا وإيابا
8160 5 بدل كسوة العلامة السيد محمد ألكتبي
19000 60 عن بدل غلال مرتب أرباب وظايف بالمدينة
800 25 فائض التزام أشراف مكة والمدينة
3500 27 مرتب يومية عربان الحجاز البرابرة الذي كان جاري صرفه بالمحروسة
5100 255 عن غلال أجرة الجمال المستأجرة هذا العام
174 عن المستجد باسم حضرة شريف مكة المرمة
وإذا نظرنا إلى الأموال المرسلة إلى أهالي الحرمين على مدى 120 عاما نظرة مقارنة بين أول صرة مسجلة بسجلات الديوان العالي وأخر صرة به ، فإننا نجد ما يلي :
أن الصرة الميري ( أي المرسلة من ميزانية الحكومة المصرية ) قد تضاعفت بمرور السنين ، فقد كانت في عام 1154 هـ 317 كيسا وكسور (13) ، بينما أصبحت في عام 1273هـ 834 كيسا وكسور (14) كما تضاعفت الأموال المرسلة بوجه عام ، حتى أصبحت إضعاف أضعاف ما كانت عليه في العصر العثماني المملوكي ، كان مجموع المرسل من أموال مع أمير الحج في عام 1154هـمبلغا قدره من الأكياس التي عبوة كل كيس منها خمسة وعشرون ألف نصف نحو 431 كيسا ( =500ر232ر3 جنيها مصريا بالعملة في الوقت الحالي ) ، أضحى في عام 1273هـ مبلغا
قدره من الأكياس التي عبوة كل كيس منها عشرون ألف نصف نحو 4234 (15) ( = 000ر404ر25 جنيها مصريا بالعملة في الوقت الحاضر )(16) .
أما بالنسبة لصرر أوقاف سلاطين ال ثمان في مصر فانه قد تناقصت ، وفي الجدول التالي ما يوضح ذلك :
الوقف صرة عام 1154هـ صرة عام 1273هـ
وقف السلطان محمد 497984 فضة 292800 فضة
وقف السلطان احمد 225040 فضة 223240 فضة
الخاصكية المستجدة 537100 فضة 532780 فضة
وقف الحرمين 455842 فضة 351368 فضة
الدشيشة الكبرى 708742 فضة 404475 (18)فضة
وبمراجعة صرة عام 1273 هـ نجد أن بها أوقافا للحرمين لم تكن موجودة في عام 1154 هـ ، وفي مقدمتها وقف (( جنتمكان (ساكن الجنان )المغفور له الحاج محمد علي باشا طاب ثراه )) ، وذلك بنص ما جاء في اشهاد تلك الصرة ، وهو وقف عظيم المحصول يصرف ريعه على تكيات مكة والمدينة كما سلف .
ارقام حسين أفندي الرزنامجي (19) :
بالرجوع إلى الأرقام التي ذكرها مؤرخ النظم المصرية في العصر العثماني (( حسين أفندي الرزنامجي)) وجدنا آن ارقام المبالغ التي ذكرها تمثل الريع الأصلي لأوقاف الحرمين الشريفين في مصر ، أي أنها المبالع المقبوضة من الملتزمين ، وذلك قبل خصم مرتبات وخيرات وعوائد الناظر ( ناظر الوقف ) وعوائد الكتبة (كتبة الوقف ) ، وهناك فارق كبير بين ريع الوقف وبين الصرة كان يصرف في مصر على إدارة تلك الأوقاف .
فعلى سبيل المثال ذكر حسين أفندي أن ما كان يقبض من الملتزمين على المحمدية (وقف لسلطان محمد) هو مبلغ 50 كيسا ، 5604 أنصاف من الفضة (20) ( = 1255604 أنصاف من الفضة ) (21) وما أرسل منها صرة إلى الحرمين في عام 1211 هـ ( أي قبل الحملة الفرنسية مباشرة ) طبقا لما ورد في سجلات الديوان العالي ،هو مبلغ 588886 فضة(25) أي ما يزيد عن ريعها الأصلي بقليل ،
وما كان يحصل من الملتزمين على وقف الاحمدية ( وقف السلطان احمد )مبلغا قدره (6028ر23) (26) ( =581028 فضة ) وما أرسل منها صرة إلى أهالي الحرمين الشريفين طبقا لوثائق الديوان العالي في عام 1211 هـ هو مبلغ 225040 فضة (27) ، أي أقل من نصف ريعها الأصلي .
و ذكر حسين أفندي أخيراً عن وقف الدشيشة الكبرى ، وهو وقف السلطان قايتباي ( 872-901 هـ) مبلغاً قدره (74,15988) (=1865955فضة )(28) ، وما أرسل منها صرة إلى أهالي الحرمين في سنة 1211 هـ هو مبلغ 416475 فضة (29) أي أقل من ربع ريعها الأصلي .
ويمكننا أن نخرج من هذه الدراسة المقارنة بأن محصول أوقاف الحرمين الشريفين في مصر كان يصرف نحو ثلثية في المتوسط على إدارة تلك الأوقاف ، ويرسل منه صرة إلى أهالي الحرمين في المتوسط نحو ثلث هذا المحصول .
غلال الحرمين :
على الرغم من حسين أن حسين أفندي الرزنامجي يذكر أنه كانت هناك غلال معينة على بعض قرى وقف الحرمين تصرف كل عام لأهالي الحرمين ، فهو يذكر أن لوقف المحمدية = الـ(2/1)20789 اردب من القمح ، ولوقف المرادية = 3840 اردباً ، ولوقف الدشيشة الكبرى ( قايتباي ) =(3/1) 33333 اردب من القمح (30) ، على الرغم من ذلك ألا أن ذكر الغلال في وثائق الصرة لم تكن منتظمة كل عام ، وإذا ذكرت أحياناً فإنها تذكر على أنها من المتأخر . ففي وثيقة صرة الدشيشة المحمدية في عام 1154 هـ نجد أن بقية إرسالية سنة 1152 هـ من الغلال لأهالي الحرمين هي = 2/3 4566 اردب وزعت على الوجه التالي :
400 اردب لأهالي مكة المشرفة
500 اردب لسيد الجميع( شريف مكة )
3/2 3666 اردب لأهالي المدينة المنورة (32) .
وكان سبب تأخر غلال الحرمين هو انخفاض النيل أحياناً ، ما يعطل إرسال هذه الغلال لانخفاض إنتاج الأراضي الزراعية ، وفي كتاب تقويم النيل نجد أنه عندما ينخفض النيل تشح الأقوات في مصر وعلى الأخص الغلال (( ترتفع الغلال من العرصات والسواحل بالكلية وتزيد أثمانها )) (33) لتوقع الغلاء وقلة الإنتاج في المحصول القابل .
ومن ثم فإننا نجد في الحجة الشرعية التي كانت تأخذ يوم عيد وفاء النيل إذا أوفى النيل بالزيادة المطلوبة نصاً يقول : (( فببلوغ ماء النيل المبارك سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع …. حل على ملتزمي القرى المصرية المال الميري لجهة الديوان العالي ….. وغلال الحرمين الشريفين والأنبار الشريفة )) (34) .
كسوة الكعبة :
منذ أن استقر إرسال الكسوة من مصر في عهد سلاطين المماليك ، أوقف عليها الملك الناصر محمد بن قلاوون قريتي باسوس وسندبيس من أعمال القليوبية (35) ، ومن ثمة كانت ترسل كسوة الكعبة الخارجية السوداء سنوياً ، وترسل كسوة داخلية من الحرير الأحمر وبأخرى خضراء للحجرة الشريفة النبوية ، ولما استولي العثمانيين على مصر اختصوا بكسوة البيت الداخلية وكسوة الحجرة الشريفة النبوية ، واختصت مصر بكسوة الكعبة الخارجية ، ومن ذلك الوقت صارت هذه الكسوة المباركة ترسل من مصر سنوياً حتى سنة 1962 حيث توقف إرسالها إلى الآن .
وكان لها أشهاد مثل أشهاد الصرة يؤخذ على أمير الحج في ميدان القلعة بالقاهرة في مجلس يحضره العلماء ، ويبدأ موكبها من المكان المعروف بمسطبة المحمل إلى مسجد الحسين حيث يتسلمها المحاملي ، ثم توضع في صناديق وترسل مع قافلة الحج المصرية ، ويرسل معها غلايتان من النحاس مملوءتان بماء الورد النقي لغسيل الكعبة (36).
وكانت اشهادات الكسوة تسجل في سجلات الديوان العالي ، ولغة التسجيل غالبا ما كانت هي اللغة العربية ونادرا ما كانت تسجل باللغة التركية (37) ولم يكن باشهاد الكسوة تفصيل سوى ان يذكر ان فلانا ((قد تسلم المحمل الشريف (38) والكسوة الشريفة بتمامها وكمالها ، ليوصلها الى الحرم المكي على جري العادة ، وعليه حفظ ذلك وتسليم الكسوة الشريفة لمن له ولاية تسليم ذلك ، وحفظ المحمل الشريف ذهابا وإيابا كما هو لازم شرعا )) (39)
وفي القليل النادر كانت تذكر أوصاف الكسوة وعدد قطعها وألوانها ، وذلك مثل اشهاد كسوة سنة 1239هـ ، فقد ذكرت فيه بعض تفصيلات من هذا القبيل (40).

مين الشريفين : حرم مكة المكرمة وحرم المدينة المنورة الذين تعلقت أفئدة مسلمي مصر بهما ، فأخذت تهوي اليهما في كل عام حاملة معها الحب والخير والزاد لأهالي الحرمين .

وتعددت أوجه عناية المصريين بالحرمين الشريفين ،فتعهدوا بكسوة الكعبة وإرسال الصرة الشريفة والغلال إلى أهالي الحرمين كل عام ، وعمل الكثيرون من الحكام والأمراء وأهل البذل من الأغنياء على وقف كثير من الأراضي الزراعية والعقارات المبنية وخصصوا ريعها ( محصولها ) لأهالي الحرمين يرسل كل عام على هيئة ما كان يسمى (( الصرة الشريفة إلى أهالي الحرمين )) .
وبين أيدينا وثائق لمخصصات الحرمين في مصر إبان العصر العثماني ، وهي مسجلة في سجلات محفوظة كوديعة أرشيفية ضمن محفوظات مصلحة التوثيق والشهر العقاري بالقاهرة التابعة لوزارة العدل المصرية ، وهذه السجلات عبارة عن نوعين :
1)النوع الأول :
ويتعلق بوثائق الصرة الشريفة : أي الأموال التي كانت ترسل كل عام من مصر إلى أهالي الحرمين ، وتوجد تلك الوثائق مسجلة في سجلات الديوان العالي والتي كانت تتبع والي مصر في العصر العثماني
2) النوع الثاني :
ويتعلق بوثائق موارد ومصادر أموال الصرة الشريفة في مصر ، ونعني بها وثائق أوقاف الحرمين ، وتوجد تلك الوثائق مسجلة في سجلات المحاكم المصرية ابن العصر العثماني .
و قبل المضي في هذا البحث ينبغي التنويه بادئ ذي بدء بما يأتي :
أولا : إننا بصدد اثر تاريخي هام طالما أهمل في زوايا النسيان وتركت محتوياته دون إطلاع ،على الرغم من تنقلها في خزائن المحفوظات المصرية منذ العصر العثماني حتى ألان وقد آن الأوان لكشف الستار عنها .
ثانيا : إن هذه الوثائق بنوعيها مهمة لمن يتعرضون للكتابة في تاريخ الحرمين وعناية المسلمين بهما ، وتاريخ الحرمين جزء أساسي من تاريخ الجزيرة العربية ، بل لا نكاد نعدو الحقيقة إذا قلنا : أن تاريخ الحرمين هو العمود الفقري لتاريخ الجزيرة العربية ، منذ ظهور الإسلام حتى ألان .
ثالثا : إنني عندما أقدمت على هذه الدراسة كنت أصدر عن تقديس عظيم لنظام الإسلام في مجال التضامن الاجتماعي , ليس بين الإقليم الإسلامي الواحد ، ولكن بين شعوب الأقاليم الإسلامية المختلفة مهما بعدت بينها الشقة . وسنتناول في بحثنا هذا كلا النوعين المشار اليهما من الوثائق ، مع بيان أهميتها في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الحجاز ومصر ، وسنقسم بحثنا إلى قسمين :
القسم الأول :
ونتحدث فيه عن محتوى تلك الوثائق ومضمونها وأهميتها في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الحجاز ومصر ، التي هي جزء من تاريخ الجزيرة العربية .
القسم الثاني :
وهو دراسة أرشيفية نتحدث فيها عن طبيعة تلك الوثائق ، وكيفية الإطلاع عليها والاستفادة منها .
( القسم الأول ) :
أما فيما يتعلق بالقسم الأول من هذه الدراسة ، واعني به محتوى مضمون تلك الوثائق وما اشتملت عليه من معلومات هامة في تاريخ العلاقات الاقتصادية الحجازية المصرية ، فبالنسبة لوثائق الصرة الشريفة ، فإننا نجدها مسجلة في سجلات الديوان العالي ، وهي على جانب كبير من الأهمية .
وأول ما وقع تحت أيدينا منها : وثائق صرة عام 1154 هـ (1741 م) ، ففي تلك السنة كان أمير قافلة الحج المصرية وهو المملوك الكبير عمر بك غيطاس أمير اللوا (1) ، وقد تسلم صورة لكل وقف من أوقاف الحرمين (2) بمصر ، وأخذت الحكومة عليه أشهادا خاصة بكل صرة على حدة ، كما أخذت عليه أيضاً اشهاداً خاصاً بالصرة الميري ( الحكومية ) أي (( المعتاد إرسالها من الحكومة المصرية إلى أهـالي الحرمين الشريفين )) .
وهذه الاشهادات عبارة عن وثيقة مكتوبة بحضور شهود من كبار رجال الدولة أمثال : كتخذا الوالي ( وكيل الوالي ) ، ودفتر دار مصر ، وقاضي العسكر ( قاضي القضاة في مصر ) ، او وكيله وهو ما كان يشار اليه بقولهم : ((مولانا افندي )) ، وبعض موظفي الديوان العالي ، وكتبةالصرة ، ((وغيرهم من الحضار ممن يطول ذكرهم )) ، وجرت العادة في العصر العثماني ان هذه الاشهادات كانت تكتب بمجلس شرع شريف ينعقد بصيوان (خيمة )أمير الحج المنصوبة بمكان خارج القاهرة يسمى (( بركة الحج )) (3) .
وتحرر هذه الوثيقة بإملاء رزنا مجي الديوان العالي ( رئيس الكتبة بالديوان ) ، ويذكر فيها مبلغ الصرة ( الميري أو الخاصة بوقف معين من أوقاف الحرمين ) مفقطة بالحروف بغير ذكر للأرقام الحسابية ، وجملتها بالأكياس والأنصاف الفضة المصرية ، ثم تذكر قيمة العملة الذهبية وحساب كل دينار من الذهب (إن وجد )في تلك الأيام ، فعلى سبيل المثال جاء بعد ديباجة صرة الحكومة عام 1154 هـ ما يلي :
(( بعد أن تحرر بإملاء فخر أرباب القلم الأمير عبدالله أفندي الرزنامجي المومى إليه أعلاه إن الصرة الشريفة الميري الإرسالية إلى أهالي الحرمين الشريفين شرفهما الله تعالى وعظمهما إلى يوم الدين عن واجب سنة أربع وخمسماية وألف جملتها من الأكياس المصرية التي عبوة كل كيس خمسة وعشرون ألف نصف فضة ديواني : ثلاثماية كيس وسبعة عشر كيسا مصرية وكسور عشرون ألف نصف وماية نصف وثلاثة وعشرون نصفا فضة ، بحساب الفندقلي ، ماية نصف وستة وأربعون نصف فضة والزار محبوب ماية نصف وعشرة أنصاف فضة )) ( 4) .
ثم يلي ذلك توزيع الصرة على أهالي الحرمين ، فيعين فيها ما هو لأهالي مكة المشرفة وما هو لأهالي المدينة المنورة ، ثم يعين نصيب شريف مكة منها وشريف جدة وأولاد وعيال شريف يحيى باشا ،وعوا يد العربان وأولاد شرف عبدالله بركات ،وأنعام شيخ الحرم النبوي ، وأنعام شريف ينبع المبارك ،وغيرهم وقد فرغت بيان توزيع الصرة الميري لسنة 1154هـ على أهالي الحرمين من الوثيقة ، ونظمتها في الجدول التالي بالأرقام الحسابية :
نصف فضة كيس أسماء أصحاب المرتبات من الصرة الميري
1154 261 لأهالي مكة المشرفة والمدينة المنورة
15000 21 صرة شريف مكة
10000 3 صرة الشريف حسين بن الشريف بركات
13500 — ثمن أرز برسم الشريف حسين المذكور
11000 1 صرة شريف أرخان
13652 3 واجبات أولاد وعيال شريف يحيى باشا
6400 — عوايد عربان
10000 3 صرة أولاد الشريف عبدالله بركات
13500 — ثمن أرز شريف عبدالله بركات
20917 6 ثمن أرز شريف مكة مع نولون
– 8 عن أنعام شيخ الحرم النبوي
5000 7 أنعام شريف أمير ينبع المبارك
20123 317 جملة الصرة الميري المرسلة من الحكومة المصرية إلى أهالي
الحرمين الشريفين في عام 1154 هـ (5)
وفي نهاية الوثيقة تأتي صيغة الاشهاد وهي كما يلي :
(( اشهد على نفسه قدوة الأمراء الكرام . . . الأمير عمر بك مير اللوا الشريف بمصر وأمير الحج الشريف حالا نجل المرحوم . . . علي بك غيطاس مير اللوا والحج الشريف المصري ، كان شهوده الاشهاد الاشهاد الشرعي وهو بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعا انه قبض وتسلم ووصل إليه مبلغ الثلاثماية كيس والسبعة عشر كيسا والعشرون ألف نصف والماية نصة والثلاثة وعشرون نصف فضة ، مبلغ الصرة الميري المذكور أعلاه بالحساب المعين أعلاه ، قبضا وتسليما ووصولا شرعيات بتمام ذلك وكماله باعترافه بذلك الاعتراف الشرعي )) .
ثم تذكر الوثيقة بان عليه إحضار ما يشهد له بتبليغ ذلك لأربابه :
(( وعليه حمل ذلك وصونه وتسليمه لمن له ولاية تسليم ذلك لأربابه ، وعليه بإحضار ما يشهد له بوصول ذلك حكم المعتاد والجاري به العادة (6) .وقع ذلك بحضور (ثلاثة من كتبة الصرة ) . . . وثبت الاشهاد بذلك لدى مولانا أفندي المومى إليه أعلاه شهادة شهوده ثبوتا شرعيا . . . وحرر في سادس عشرين شهر شوال الجاري سنة أربعة وخمسين وماية وألف )) (7) .
وتكاد تكون هذه الصيغة هي الصيغة المعتادة التي ظلت تؤخذ على أمير الحج في كل سنة للصرة المرسلة إلى أهالي الحرمين في مصر حتى عام 1228 هـ ،1813 م، وكان يليها في السجل أشهادات أخرى ببقية الأموال المرسلة إلى أهالي الحرمين في مصر واشهد بصرة كل وقف من أوقاف سلاطين بني عثمان وبعض أوقاف أخرى ، و ذكرت في عام 1154هـ (1741م ) كما يلي :
اسم الوقف صرته في عام 1154 هـ
وقف السلطان مراد ، والسلطان محمود 557236 نصفا فضة
وقف الدشيشة (8) المحمدية 497984 نصفا فضة
وقف الحرمين الشريفين 455842 نصفا فضة
وقف الخاصكية (9)المستجدة 537100 نصفا فضة
وقف السلطان أحمد خان 225040 نصفا فضة
وقف الشيشة الكبرى 708742 نصفا فضة
وقف بشير اغا وكيل دار السعادة 150675 نصفا فضة
وقف الخزينة 80000 نصفا فضة
وقف اسكندر باشا 12600 نصفا فضة
وقف علي باشا السيكي 20000 نصفا فضة
وقف سنان باشا 22000 نصفا فضة
وقف الخاصكية القديمة 125000 (10) نصفا فضة
وذكر في اشهاد كل صرة من الصرر السالفة بيان توزيعها : ما هو لأهالي مكة ، وماهو لأهالي المدينة .ولولا خوف الإطالة لذكرنا هنا بيان توزيع كل صرة .
وصفوة القول إن سجلات الديوان العالي ظلت تفرد لصرة كل وقف اشهادا على حدة حتى سنة 1228هـ ( 1813م ) ، ففي تلك السنة استولى محمد علي باشا على أوقاف مصر كلها ريع أوقاف الحرمين إلى خزينة الرزنامة (11) المصرية ، وابتداء من تلك السنة كان يسجل على أمير الحج اشهاد تذكر فيه جميع الأموال التي يحملها معه إلى أهالي الحرمين بما فيها الصرة الحكومية وأوقاف سلاطين ال عثمان في مصر ( والتي كانت تسمى بأوقاف اغات دار السعادة ) وأوقاف أخرى ، وتليها وثيقة ثانية يذكر فيها بيان بتوزيع كل صرة بالنسبة لما يخص أهالي مكة وأهالي المدينة .
وهذه بيانات أخر صرة ذكرت في سجلات الديوان العالي لعام1273هـ (1856م ) ومبلغها :
نصف كيس (8746ر4234 ) (12)
نصف فضة كيس جهة الصرف وبيان التوزيع
3934 834 من جهة الخزينة العامرة وهو مبلغ الصرة الميري
14254 127 من جهة أوقاف اغات دار السعادة وأرباب خيرات واحكار بمصر
فضة كيس
توزيعها 1604ر68 لأهالي مكة
12650ر23 لأهالي المدينة
6855 32 من جهة أوقاف برائية معتاد صرفها من الخزينة العامرة الرزنامة
توزيعها 18473ر8 لأهالي مكة
8382ر23 لأهالي المدينة
19851 294 عوائد الأشراف والعربان بمكة والمدينة
4820 63 أنعامات باسم الأشراف والعربان بمكة والمدينة
17167 1286 مصاريف الزخاير بمكة والمدينة ، ومطلوب الايالة بجدة لغاية سنة1270هـ
16640 435 مرتب إطعام طعامية بتكيات مكة والمدينة عن إيراد وقف محمد علي باشا
توزيعها 11840ر153 مرتب تكيات مكة المكرمة
4800ر282 مرتب تكيات المدينة المنورة
11385 507 مرسل أمانات للمتقاعدين المجاورين بمكة والمدينة وجدة من ديوان الرزنامة
17280 53 مصاريف دايرة المحمل الشريف والصرة الشريفة ذهابا وإيابا
8160 5 بدل كسوة العلامة السيد محمد ألكتبي
19000 60 عن بدل غلال مرتب أرباب وظايف بالمدينة
800 25 فائض التزام أشراف مكة والمدينة
3500 27 مرتب يومية عربان الحجاز البرابرة الذي كان جاري صرفه بالمحروسة
5100 255 عن غلال أجرة الجمال المستأجرة هذا العام
174 عن المستجد باسم حضرة شريف مكة المرمة
وإذا نظرنا إلى الأموال المرسلة إلى أهالي الحرمين على مدى 120 عاما نظرة مقارنة بين أول صرة مسجلة بسجلات الديوان العالي وأخر صرة به ، فإننا نجد ما يلي :
أن الصرة الميري ( أي المرسلة من ميزانية الحكومة المصرية ) قد تضاعفت بمرور السنين ، فقد كانت في عام 1154 هـ 317 كيسا وكسور (13) ، بينما أصبحت في عام 1273هـ 834 كيسا وكسور (14) كما تضاعفت الأموال المرسلة بوجه عام ، حتى أصبحت إضعاف أضعاف ما كانت عليه في العصر العثماني المملوكي ، كان مجموع المرسل من أموال مع أمير الحج في عام 1154هـمبلغا قدره من الأكياس التي عبوة كل كيس منها خمسة وعشرون ألف نصف نحو 431 كيسا ( =500ر232ر3 جنيها مصريا بالعملة في الوقت الحالي ) ، أضحى في عام 1273هـ مبلغا
قدره من الأكياس التي عبوة كل كيس منها عشرون ألف نصف نحو 4234 (15) ( = 000ر404ر25 جنيها مصريا بالعملة في الوقت الحاضر )(16) .
أما بالنسبة لصرر أوقاف سلاطين ال ثمان في مصر فانه قد تناقصت ، وفي الجدول التالي ما يوضح ذلك :
الوقف صرة عام 1154هـ صرة عام 1273هـ
وقف السلطان محمد 497984 فضة 292800 فضة
وقف السلطان احمد 225040 فضة 223240 فضة
الخاصكية المستجدة 537100 فضة 532780 فضة
وقف الحرمين 455842 فضة 351368 فضة
الدشيشة الكبرى 708742 فضة 404475 (18)فضة
وبمراجعة صرة عام 1273 هـ نجد أن بها أوقافا للحرمين لم تكن موجودة في عام 1154 هـ ، وفي مقدمتها وقف (( جنتمكان (ساكن الجنان )المغفور له الحاج محمد علي باشا طاب ثراه )) ، وذلك بنص ما جاء في اشهاد تلك الصرة ، وهو وقف عظيم المحصول يصرف ريعه على تكيات مكة والمدينة كما سلف .
ارقام حسين أفندي الرزنامجي (19) :
بالرجوع إلى الأرقام التي ذكرها مؤرخ النظم المصرية في العصر العثماني (( حسين أفندي الرزنامجي)) وجدنا آن ارقام المبالغ التي ذكرها تمثل الريع الأصلي لأوقاف الحرمين الشريفين في مصر ، أي أنها المبالع المقبوضة من الملتزمين ، وذلك قبل خصم مرتبات وخيرات وعوائد الناظر ( ناظر الوقف ) وعوائد الكتبة (كتبة الوقف ) ، وهناك فارق كبير بين ريع الوقف وبين الصرة كان يصرف في مصر على إدارة تلك الأوقاف .
فعلى سبيل المثال ذكر حسين أفندي أن ما كان يقبض من الملتزمين على المحمدية (وقف لسلطان محمد) هو مبلغ 50 كيسا ، 5604 أنصاف من الفضة (20) ( = 1255604 أنصاف من الفضة ) (21) وما أرسل منها صرة إلى الحرمين في عام 1211 هـ ( أي قبل الحملة الفرنسية مباشرة ) طبقا لما ورد في سجلات الديوان العالي ،هو مبلغ 588886 فضة(25) أي ما يزيد عن ريعها الأصلي بقليل ،
وما كان يحصل من الملتزمين على وقف الاحمدية ( وقف السلطان احمد )مبلغا قدره (6028ر23) (26) ( =581028 فضة ) وما أرسل منها صرة إلى أهالي الحرمين الشريفين طبقا لوثائق الديوان العالي في عام 1211 هـ هو مبلغ 225040 فضة (27) ، أي أقل من نصف ريعها الأصلي .
و ذكر حسين أفندي أخيراً عن وقف الدشيشة الكبرى ، وهو وقف السلطان قايتباي ( 872-901 هـ) مبلغاً قدره (74,15988) (=1865955فضة )(28) ، وما أرسل منها صرة إلى أهالي الحرمين في سنة 1211 هـ هو مبلغ 416475 فضة (29) أي أقل من ربع ريعها الأصلي .
ويمكننا أن نخرج من هذه الدراسة المقارنة بأن محصول أوقاف الحرمين الشريفين في مصر كان يصرف نحو ثلثية في المتوسط على إدارة تلك الأوقاف ، ويرسل منه صرة إلى أهالي الحرمين في المتوسط نحو ثلث هذا المحصول .
غلال الحرمين :
على الرغم من حسين أن حسين أفندي الرزنامجي يذكر أنه كانت هناك غلال معينة على بعض قرى وقف الحرمين تصرف كل عام لأهالي الحرمين ، فهو يذكر أن لوقف المحمدية = الـ(2/1)20789 اردب من القمح ، ولوقف المرادية = 3840 اردباً ، ولوقف الدشيشة الكبرى ( قايتباي ) =(3/1) 33333 اردب من القمح (30) ، على الرغم من ذلك ألا أن ذكر الغلال في وثائق الصرة لم تكن منتظمة كل عام ، وإذا ذكرت أحياناً فإنها تذكر على أنها من المتأخر . ففي وثيقة صرة الدشيشة المحمدية في عام 1154 هـ نجد أن بقية إرسالية سنة 1152 هـ من الغلال لأهالي الحرمين هي = 2/3 4566 اردب وزعت على الوجه التالي :
400 اردب لأهالي مكة المشرفة
500 اردب لسيد الجميع( شريف مكة )
3/2 3666 اردب لأهالي المدينة المنورة (32) .
وكان سبب تأخر غلال الحرمين هو انخفاض النيل أحياناً ، ما يعطل إرسال هذه الغلال لانخفاض إنتاج الأراضي الزراعية ، وفي كتاب تقويم النيل نجد أنه عندما ينخفض النيل تشح الأقوات في مصر وعلى الأخص الغلال (( ترتفع الغلال من العرصات والسواحل بالكلية وتزيد أثمانها )) (33) لتوقع الغلاء وقلة الإنتاج في المحصول القابل .
ومن ثم فإننا نجد في الحجة الشرعية التي كانت تأخذ يوم عيد وفاء النيل إذا أوفى النيل بالزيادة المطلوبة نصاً يقول : (( فببلوغ ماء النيل المبارك سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع …. حل على ملتزمي القرى المصرية المال الميري لجهة الديوان العالي ….. وغلال الحرمين الشريفين والأنبار الشريفة )) (34) .
كسوة الكعبة :
منذ أن استقر إرسال الكسوة من مصر في عهد سلاطين المماليك ، أوقف عليها الملك الناصر محمد بن قلاوون قريتي باسوس وسندبيس من أعمال القليوبية (35) ، ومن ثمة كانت ترسل كسوة الكعبة الخارجية السوداء سنوياً ، وترسل كسوة داخلية من الحرير الأحمر وبأخرى خضراء للحجرة الشريفة النبوية ، ولما استولي العثمانيين على مصر اختصوا بكسوة البيت الداخلية وكسوة الحجرة الشريفة النبوية ، واختصت مصر بكسوة الكعبة الخارجية ، ومن ذلك الوقت صارت هذه الكسوة المباركة ترسل من مصر سنوياً حتى سنة 1962 حيث توقف إرسالها إلى الآن .
وكان لها أشهاد مثل أشهاد الصرة يؤخذ على أمير الحج في ميدان القلعة بالقاهرة في مجلس يحضره العلماء ، ويبدأ موكبها من المكان المعروف بمسطبة المحمل إلى مسجد الحسين حيث يتسلمها المحاملي ، ثم توضع في صناديق وترسل مع قافلة الحج المصرية ، ويرسل معها غلايتان من النحاس مملوءتان بماء الورد النقي لغسيل الكعبة (36).
وكانت اشهادات الكسوة تسجل في سجلات الديوان العالي ، ولغة التسجيل غالبا ما كانت هي اللغة العربية ونادرا ما كانت تسجل باللغة التركية (37) ولم يكن باشهاد الكسوة تفصيل سوى ان يذكر ان فلانا ((قد تسلم المحمل الشريف (38) والكسوة الشريفة بتمامها وكمالها ، ليوصلها الى الحرم المكي على جري العادة ، وعليه حفظ ذلك وتسليم الكسوة الشريفة لمن له ولاية تسليم ذلك ، وحفظ المحمل الشريف ذهابا وإيابا كما هو لازم شرعا )) (39)
وفي القليل النادر كانت تذكر أوصاف الكسوة وعدد قطعها وألوانها ، وذلك مثل اشهاد كسوة سنة 1239هـ ، فقد ذكرت فيه بعض تفصيلات من هذا القبيل (40).
منذ زمن قديم ومصر تولى اهتماماً كبيراً بالحرمين الشريفين : حرم مكة المكرمة وحرم المدينة المنورة الذين تعلقت أفئدة مسلمي مصر بهما ، فأخذت تهوي اليهما في كل عام حاملة معها الحب والخير والزاد لأهالي الحرمين .
وتعددت أوجه عناية المصريين بالحرمين الشريفين ،فتعهدوا بكسوة الكعبة وإرسال الصرة الشريفة والغلال إلى أهالي الحرمين كل عام ، وعمل الكثيرون من الحكام والأمراء وأهل البذل من الأغنياء على وقف كثير من الأراضي الزراعية والعقارات المبنية وخصصوا ريعها ( محصولها ) لأهالي الحرمين يرسل كل عام على هيئة ما كان يسمى (( الصرة الشريفة إلى أهالي الحرمين )) .
وبين أيدينا وثائق لمخصصات الحرمين في مصر إبان العصر العثماني ، وهي مسجلة في سجلات محفوظة كوديعة أرشيفية ضمن محفوظات مصلحة التوثيق والشهر العقاري بالقاهرة التابعة لوزارة العدل المصرية ، وهذه السجلات عبارة عن نوعين :
1)النوع الأول :
ويتعلق بوثائق الصرة الشريفة : أي الأموال التي كانت ترسل كل عام من مصر إلى أهالي الحرمين ، وتوجد تلك الوثائق مسجلة في سجلات الديوان العالي والتي كانت تتبع والي مصر في العصر العثماني
2) النوع الثاني :
ويتعلق بوثائق موارد ومصادر أموال الصرة الشريفة في مصر ، ونعني بها وثائق أوقاف الحرمين ، وتوجد تلك الوثائق مسجلة في سجلات المحاكم المصرية ابن العصر العثماني .
و قبل المضي في هذا البحث ينبغي التنويه بادئ ذي بدء بما يأتي :
أولا : إننا بصدد اثر تاريخي هام طالما أهمل في زوايا النسيان وتركت محتوياته دون إطلاع ،على الرغم من تنقلها في خزائن المحفوظات المصرية منذ العصر العثماني حتى ألان وقد آن الأوان لكشف الستار عنها .
ثانيا : إن هذه الوثائق بنوعيها مهمة لمن يتعرضون للكتابة في تاريخ الحرمين وعناية المسلمين بهما ، وتاريخ الحرمين جزء أساسي من تاريخ الجزيرة العربية ، بل لا نكاد نعدو الحقيقة إذا قلنا : أن تاريخ الحرمين هو العمود الفقري لتاريخ الجزيرة العربية ، منذ ظهور الإسلام حتى ألان .
ثالثا : إنني عندما أقدمت على هذه الدراسة كنت أصدر عن تقديس عظيم لنظام الإسلام في مجال التضامن الاجتماعي , ليس بين الإقليم الإسلامي الواحد ، ولكن بين شعوب الأقاليم الإسلامية المختلفة مهما بعدت بينها الشقة . وسنتناول في بحثنا هذا كلا النوعين المشار اليهما من الوثائق ، مع بيان أهميتها في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الحجاز ومصر ، وسنقسم بحثنا إلى قسمين :
القسم الأول :
ونتحدث فيه عن محتوى تلك الوثائق ومضمونها وأهميتها في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الحجاز ومصر ، التي هي جزء من تاريخ الجزيرة العربية .
القسم الثاني :
وهو دراسة أرشيفية نتحدث فيها عن طبيعة تلك الوثائق ، وكيفية الإطلاع عليها والاستفادة منها .
( القسم الأول ) :
أما فيما يتعلق بالقسم الأول من هذه الدراسة ، واعني به محتوى مضمون تلك الوثائق وما اشتملت عليه من معلومات هامة في تاريخ العلاقات الاقتصادية الحجازية المصرية ، فبالنسبة لوثائق الصرة الشريفة ، فإننا نجدها مسجلة في سجلات الديوان العالي ، وهي على جانب كبير من الأهمية .
وأول ما وقع تحت أيدينا منها : وثائق صرة عام 1154 هـ (1741 م) ، ففي تلك السنة كان أمير قافلة الحج المصرية وهو المملوك الكبير عمر بك غيطاس أمير اللوا (1) ، وقد تسلم صورة لكل وقف من أوقاف الحرمين (2) بمصر ، وأخذت الحكومة عليه أشهادا خاصة بكل صرة على حدة ، كما أخذت عليه أيضاً اشهاداً خاصاً بالصرة الميري ( الحكومية ) أي (( المعتاد إرسالها من الحكومة المصرية إلى أهـالي الحرمين الشريفين )) .
وهذه الاشهادات عبارة عن وثيقة مكتوبة بحضور شهود من كبار رجال الدولة أمثال : كتخذا الوالي ( وكيل الوالي ) ، ودفتر دار مصر ، وقاضي العسكر ( قاضي القضاة في مصر ) ، او وكيله وهو ما كان يشار اليه بقولهم : ((مولانا افندي )) ، وبعض موظفي الديوان العالي ، وكتبةالصرة ، ((وغيرهم من الحضار ممن يطول ذكرهم )) ، وجرت العادة في العصر العثماني ان هذه الاشهادات كانت تكتب بمجلس شرع شريف ينعقد بصيوان (خيمة )أمير الحج المنصوبة بمكان خارج القاهرة يسمى (( بركة الحج )) (3) .
وتحرر هذه الوثيقة بإملاء رزنا مجي الديوان العالي ( رئيس الكتبة بالديوان ) ، ويذكر فيها مبلغ الصرة ( الميري أو الخاصة بوقف معين من أوقاف الحرمين ) مفقطة بالحروف بغير ذكر للأرقام الحسابية ، وجملتها بالأكياس والأنصاف الفضة المصرية ، ثم تذكر قيمة العملة الذهبية وحساب كل دينار من الذهب (إن وجد )في تلك الأيام ، فعلى سبيل المثال جاء بعد ديباجة صرة الحكومة عام 1154 هـ ما يلي :
(( بعد أن تحرر بإملاء فخر أرباب القلم الأمير عبدالله أفندي الرزنامجي المومى إليه أعلاه إن الصرة الشريفة الميري الإرسالية إلى أهالي الحرمين الشريفين شرفهما الله تعالى وعظمهما إلى يوم الدين عن واجب سنة أربع وخمسماية وألف جملتها من الأكياس المصرية التي عبوة كل كيس خمسة وعشرون ألف نصف فضة ديواني : ثلاثماية كيس وسبعة عشر كيسا مصرية وكسور عشرون ألف نصف وماية نصف وثلاثة وعشرون نصفا فضة ، بحساب الفندقلي ، ماية نصف وستة وأربعون نصف فضة والزار محبوب ماية نصف وعشرة أنصاف فضة )) ( 4) .
ثم يلي ذلك توزيع الصرة على أهالي الحرمين ، فيعين فيها ما هو لأهالي مكة المشرفة وما هو لأهالي المدينة المنورة ، ثم يعين نصيب شريف مكة منها وشريف جدة وأولاد وعيال شريف يحيى باشا ،وعوا يد العربان وأولاد شرف عبدالله بركات ،وأنعام شيخ الحرم النبوي ، وأنعام شريف ينبع المبارك ،وغيرهم وقد فرغت بيان توزيع الصرة الميري لسنة 1154هـ على أهالي الحرمين من الوثيقة ، ونظمتها في الجدول التالي بالأرقام الحسابية :
نصف فضة كيس أسماء أصحاب المرتبات من الصرة الميري
1154 261 لأهالي مكة المشرفة والمدينة المنورة
15000 21 صرة شريف مكة
10000 3 صرة الشريف حسين بن الشريف بركات
13500 — ثمن أرز برسم الشريف حسين المذكور
11000 1 صرة شريف أرخان
13652 3 واجبات أولاد وعيال شريف يحيى باشا
6400 — عوايد عربان
10000 3 صرة أولاد الشريف عبدالله بركات
13500 — ثمن أرز شريف عبدالله بركات
20917 6 ثمن أرز شريف مكة مع نولون
– 8 عن أنعام شيخ الحرم النبوي
5000 7 أنعام شريف أمير ينبع المبارك
20123 317 جملة الصرة الميري المرسلة من الحكومة المصرية إلى أهالي
الحرمين الشريفين في عام 1154 هـ (5)
وفي نهاية الوثيقة تأتي صيغة الاشهاد وهي كما يلي :
(( اشهد على نفسه قدوة الأمراء الكرام . . . الأمير عمر بك مير اللوا الشريف بمصر وأمير الحج الشريف حالا نجل المرحوم . . . علي بك غيطاس مير اللوا والحج الشريف المصري ، كان شهوده الاشهاد الاشهاد الشرعي وهو بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعا انه قبض وتسلم ووصل إليه مبلغ الثلاثماية كيس والسبعة عشر كيسا والعشرون ألف نصف والماية نصة والثلاثة وعشرون نصف فضة ، مبلغ الصرة الميري المذكور أعلاه بالحساب المعين أعلاه ، قبضا وتسليما ووصولا شرعيات بتمام ذلك وكماله باعترافه بذلك الاعتراف الشرعي )) .
ثم تذكر الوثيقة بان عليه إحضار ما يشهد له بتبليغ ذلك لأربابه :
(( وعليه حمل ذلك وصونه وتسليمه لمن له ولاية تسليم ذلك لأربابه ، وعليه بإحضار ما يشهد له بوصول ذلك حكم المعتاد والجاري به العادة (6) .وقع ذلك بحضور (ثلاثة من كتبة الصرة ) . . . وثبت الاشهاد بذلك لدى مولانا أفندي المومى إليه أعلاه شهادة شهوده ثبوتا شرعيا . . . وحرر في سادس عشرين شهر شوال الجاري سنة أربعة وخمسين وماية وألف )) (7) .
وتكاد تكون هذه الصيغة هي الصيغة المعتادة التي ظلت تؤخذ على أمير الحج في كل سنة للصرة المرسلة إلى أهالي الحرمين في مصر حتى عام 1228 هـ ،1813 م، وكان يليها في السجل أشهادات أخرى ببقية الأموال المرسلة إلى أهالي الحرمين في مصر واشهد بصرة كل وقف من أوقاف سلاطين بني عثمان وبعض أوقاف أخرى ، و ذكرت في عام 1154هـ (1741م ) كما يلي :
اسم الوقف صرته في عام 1154 هـ
وقف السلطان مراد ، والسلطان محمود 557236 نصفا فضة
وقف الدشيشة (8) المحمدية 497984 نصفا فضة
وقف الحرمين الشريفين 455842 نصفا فضة
وقف الخاصكية (9)المستجدة 537100 نصفا فضة
وقف السلطان أحمد خان 225040 نصفا فضة
وقف الشيشة الكبرى 708742 نصفا فضة
وقف بشير اغا وكيل دار السعادة 150675 نصفا فضة
وقف الخزينة 80000 نصفا فضة
وقف اسكندر باشا 12600 نصفا فضة
وقف علي باشا السيكي 20000 نصفا فضة
وقف سنان باشا 22000 نصفا فضة
وقف الخاصكية القديمة 125000 (10) نصفا فضة
وذكر في اشهاد كل صرة من الصرر السالفة بيان توزيعها : ما هو لأهالي مكة ، وماهو لأهالي المدينة .ولولا خوف الإطالة لذكرنا هنا بيان توزيع كل صرة .
وصفوة القول إن سجلات الديوان العالي ظلت تفرد لصرة كل وقف اشهادا على حدة حتى سنة 1228هـ ( 1813م ) ، ففي تلك السنة استولى محمد علي باشا على أوقاف مصر كلها ريع أوقاف الحرمين إلى خزينة الرزنامة (11) المصرية ، وابتداء من تلك السنة كان يسجل على أمير الحج اشهاد تذكر فيه جميع الأموال التي يحملها معه إلى أهالي الحرمين بما فيها الصرة الحكومية وأوقاف سلاطين ال عثمان في مصر ( والتي كانت تسمى بأوقاف اغات دار السعادة ) وأوقاف أخرى ، وتليها وثيقة ثانية يذكر فيها بيان بتوزيع كل صرة بالنسبة لما يخص أهالي مكة وأهالي المدينة .
وهذه بيانات أخر صرة ذكرت في سجلات الديوان العالي لعام1273هـ (1856م ) ومبلغها :
نصف كيس (8746ر4234 ) (12)
نصف فضة كيس جهة الصرف وبيان التوزيع
3934 834 من جهة الخزينة العامرة وهو مبلغ الصرة الميري
14254 127 من جهة أوقاف اغات دار السعادة وأرباب خيرات واحكار بمصر
فضة كيس
توزيعها 1604ر68 لأهالي مكة
12650ر23 لأهالي المدينة
6855 32 من جهة أوقاف برائية معتاد صرفها من الخزينة العامرة الرزنامة
توزيعها 18473ر8 لأهالي مكة
8382ر23 لأهالي المدينة
19851 294 عوائد الأشراف والعربان بمكة والمدينة
4820 63 أنعامات باسم الأشراف والعربان بمكة والمدينة
17167 1286 مصاريف الزخاير بمكة والمدينة ، ومطلوب الايالة بجدة لغاية سنة1270هـ
16640 435 مرتب إطعام طعامية بتكيات مكة والمدينة عن إيراد وقف محمد علي باشا
توزيعها 11840ر153 مرتب تكيات مكة المكرمة
4800ر282 مرتب تكيات المدينة المنورة
11385 507 مرسل أمانات للمتقاعدين المجاورين بمكة والمدينة وجدة من ديوان الرزنامة
17280 53 مصاريف دايرة المحمل الشريف والصرة الشريفة ذهابا وإيابا
8160 5 بدل كسوة العلامة السيد محمد ألكتبي
19000 60 عن بدل غلال مرتب أرباب وظايف بالمدينة
800 25 فائض التزام أشراف مكة والمدينة
3500 27 مرتب يومية عربان الحجاز البرابرة الذي كان جاري صرفه بالمحروسة
5100 255 عن غلال أجرة الجمال المستأجرة هذا العام
174 عن المستجد باسم حضرة شريف مكة المرمة
وإذا نظرنا إلى الأموال المرسلة إلى أهالي الحرمين على مدى 120 عاما نظرة مقارنة بين أول صرة مسجلة بسجلات الديوان العالي وأخر صرة به ، فإننا نجد ما يلي :
أن الصرة الميري ( أي المرسلة من ميزانية الحكومة المصرية ) قد تضاعفت بمرور السنين ، فقد كانت في عام 1154 هـ 317 كيسا وكسور (13) ، بينما أصبحت في عام 1273هـ 834 كيسا وكسور (14) كما تضاعفت الأموال المرسلة بوجه عام ، حتى أصبحت إضعاف أضعاف ما كانت عليه في العصر العثماني المملوكي ، كان مجموع المرسل من أموال مع أمير الحج في عام 1154هـمبلغا قدره من الأكياس التي عبوة كل كيس منها خمسة وعشرون ألف نصف نحو 431 كيسا ( =500ر232ر3 جنيها مصريا بالعملة في الوقت الحالي ) ، أضحى في عام 1273هـ مبلغا
قدره من الأكياس التي عبوة كل كيس منها عشرون ألف نصف نحو 4234 (15) ( = 000ر404ر25 جنيها مصريا بالعملة في الوقت الحاضر )(16) .
أما بالنسبة لصرر أوقاف سلاطين ال ثمان في مصر فانه قد تناقصت ، وفي الجدول التالي ما يوضح ذلك :
الوقف صرة عام 1154هـ صرة عام 1273هـ
وقف السلطان محمد 497984 فضة 292800 فضة
وقف السلطان احمد 225040 فضة 223240 فضة
الخاصكية المستجدة 537100 فضة 532780 فضة
وقف الحرمين 455842 فضة 351368 فضة
الدشيشة الكبرى 708742 فضة 404475 (18)فضة
وبمراجعة صرة عام 1273 هـ نجد أن بها أوقافا للحرمين لم تكن موجودة في عام 1154 هـ ، وفي مقدمتها وقف (( جنتمكان (ساكن الجنان )المغفور له الحاج محمد علي باشا طاب ثراه )) ، وذلك بنص ما جاء في اشهاد تلك الصرة ، وهو وقف عظيم المحصول يصرف ريعه على تكيات مكة والمدينة كما سلف .
ارقام حسين أفندي الرزنامجي (19) :
بالرجوع إلى الأرقام التي ذكرها مؤرخ النظم المصرية في العصر العثماني (( حسين أفندي الرزنامجي)) وجدنا آن ارقام المبالغ التي ذكرها تمثل الريع الأصلي لأوقاف الحرمين الشريفين في مصر ، أي أنها المبالع المقبوضة من الملتزمين ، وذلك قبل خصم مرتبات وخيرات وعوائد الناظر ( ناظر الوقف ) وعوائد الكتبة (كتبة الوقف ) ، وهناك فارق كبير بين ريع الوقف وبين الصرة كان يصرف في مصر على إدارة تلك الأوقاف .
فعلى سبيل المثال ذكر حسين أفندي أن ما كان يقبض من الملتزمين على المحمدية (وقف لسلطان محمد) هو مبلغ 50 كيسا ، 5604 أنصاف من الفضة (20) ( = 1255604 أنصاف من الفضة ) (21) وما أرسل منها صرة إلى الحرمين في عام 1211 هـ ( أي قبل الحملة الفرنسية مباشرة ) طبقا لما ورد في سجلات الديوان العالي ،هو مبلغ 588886 فضة(25) أي ما يزيد عن ريعها الأصلي بقليل ،
وما كان يحصل من الملتزمين على وقف الاحمدية ( وقف السلطان احمد )مبلغا قدره (6028ر23) (26) ( =581028 فضة ) وما أرسل منها صرة إلى أهالي الحرمين الشريفين طبقا لوثائق الديوان العالي في عام 1211 هـ هو مبلغ 225040 فضة (27) ، أي أقل من نصف ريعها الأصلي .
و ذكر حسين أفندي أخيراً عن وقف الدشيشة الكبرى ، وهو وقف السلطان قايتباي ( 872-901 هـ) مبلغاً قدره (74,15988) (=1865955فضة )(28) ، وما أرسل منها صرة إلى أهالي الحرمين في سنة 1211 هـ هو مبلغ 416475 فضة (29) أي أقل من ربع ريعها الأصلي .
ويمكننا أن نخرج من هذه الدراسة المقارنة بأن محصول أوقاف الحرمين الشريفين في مصر كان يصرف نحو ثلثية في المتوسط على إدارة تلك الأوقاف ، ويرسل منه صرة إلى أهالي الحرمين في المتوسط نحو ثلث هذا المحصول .
غلال الحرمين :
على الرغم من حسين أن حسين أفندي الرزنامجي يذكر أنه كانت هناك غلال معينة على بعض قرى وقف الحرمين تصرف كل عام لأهالي الحرمين ، فهو يذكر أن لوقف المحمدية = الـ(2/1)20789 اردب من القمح ، ولوقف المرادية = 3840 اردباً ، ولوقف الدشيشة الكبرى ( قايتباي ) =(3/1) 33333 اردب من القمح (30) ، على الرغم من ذلك ألا أن ذكر الغلال في وثائق الصرة لم تكن منتظمة كل عام ، وإذا ذكرت أحياناً فإنها تذكر على أنها من المتأخر . ففي وثيقة صرة الدشيشة المحمدية في عام 1154 هـ نجد أن بقية إرسالية سنة 1152 هـ من الغلال لأهالي الحرمين هي = 2/3 4566 اردب وزعت على الوجه التالي :
400 اردب لأهالي مكة المشرفة
500 اردب لسيد الجميع( شريف مكة )
3/2 3666 اردب لأهالي المدينة المنورة (32) .
وكان سبب تأخر غلال الحرمين هو انخفاض النيل أحياناً ، ما يعطل إرسال هذه الغلال لانخفاض إنتاج الأراضي الزراعية ، وفي كتاب تقويم النيل نجد أنه عندما ينخفض النيل تشح الأقوات في مصر وعلى الأخص الغلال (( ترتفع الغلال من العرصات والسواحل بالكلية وتزيد أثمانها )) (33) لتوقع الغلاء وقلة الإنتاج في المحصول القابل .
ومن ثم فإننا نجد في الحجة الشرعية التي كانت تأخذ يوم عيد وفاء النيل إذا أوفى النيل بالزيادة المطلوبة نصاً يقول : (( فببلوغ ماء النيل المبارك سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع …. حل على ملتزمي القرى المصرية المال الميري لجهة الديوان العالي ….. وغلال الحرمين الشريفين والأنبار الشريفة )) (34) .
كسوة الكعبة :
منذ أن استقر إرسال الكسوة من مصر في عهد سلاطين المماليك ، أوقف عليها الملك الناصر محمد بن قلاوون قريتي باسوس وسندبيس من أعمال القليوبية (35) ، ومن ثمة كانت ترسل كسوة الكعبة الخارجية السوداء سنوياً ، وترسل كسوة داخلية من الحرير الأحمر وبأخرى خضراء للحجرة الشريفة النبوية ، ولما استولي العثمانيين على مصر اختصوا بكسوة البيت الداخلية وكسوة الحجرة الشريفة النبوية ، واختصت مصر بكسوة الكعبة الخارجية ، ومن ذلك الوقت صارت هذه الكسوة المباركة ترسل من مصر سنوياً حتى سنة 1962 حيث توقف إرسالها إلى الآن .
وكان لها أشهاد مثل أشهاد الصرة يؤخذ على أمير الحج في ميدان القلعة بالقاهرة في مجلس يحضره العلماء ، ويبدأ موكبها من المكان المعروف بمسطبة المحمل إلى مسجد الحسين حيث يتسلمها المحاملي ، ثم توضع في صناديق وترسل مع قافلة الحج المصرية ، ويرسل معها غلايتان من النحاس مملوءتان بماء الورد النقي لغسيل الكعبة (36).
وكانت اشهادات الكسوة تسجل في سجلات الديوان العالي ، ولغة التسجيل غالبا ما كانت هي اللغة العربية ونادرا ما كانت تسجل باللغة التركية (37) ولم يكن باشهاد الكسوة تفصيل سوى ان يذكر ان فلانا ((قد تسلم المحمل الشريف (38) والكسوة الشريفة بتمامها وكمالها ، ليوصلها الى الحرم المكي على جري العادة ، وعليه حفظ ذلك وتسليم الكسوة الشريفة لمن له ولاية تسليم ذلك ، وحفظ المحمل الشريف ذهابا وإيابا كما هو لازم شرعا )) (39)
وفي القليل النادر كانت تذكر أوصاف الكسوة وعدد قطعها وألوانها ، وذلك مثل اشهاد كسوة سنة 1239هـ ، فقد ذكرت فيه بعض تفصيلات من هذا القبيل (40).

بحث سريع