نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية ( 1 )

بواسطة | د. سليمان العودة
2005/04/06
بين يدي الموضوع :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد :
أشير قبل البدء بهذا الموضوع " في نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية " إلى نقطتين هامتين :
الأولى: أن فكرة البحث في هذا الموضوع قد راود تني منذ زمن الاحساسي بأهميته ، وقد حدثت بعض الزملاء من أهل الاختصاص بهذا الموضوع فشاركوني الرأي في أهميته ، ولذا جاءت ندوة " نزعة التشيع " تأكيداً واقعياً لهذه الهموم المشتركة والتي اشترك معي فيها الأخوة الزملاء : أ. محمد بن صامل السلمي ،أ. يحيى بن إبراهيم بن اليحيى المحاضران وقتها فى جامعة أم القرى ، والجامعة الإسلامية، وإذ أقدم اليوم هذا الموضوع بشكل أعمق فأنني أقدم الجهد الخاص بي في هذا الصدد ، وأشير إلى مجهود غيري في هذا المجال .
الثانية : أنني قدمت بحثاً آخر: حول كامل ابن الأثير ونزعة التشيع فيه ، ومع أن البحث يمكن أن يكون استكمالا للموضوع السابق فقد آثرت فصله حتى لا يظن المطلع لأول وهلة أنني أصنف ابن الأثير مع المؤلفين الشيعة، بل ولإبعاد هذا الاحتمال فقد رأيت عنونته ب " نظرة " في كتاب الكامل لابن الأثير" ، وقد تم نشر البحث في مجلة البيان اللندنية في عددها الثاني عشر : شوال /1408ه/ 1988م مع بعض التعديل الطفيف فيه .
نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية
ماذا نقصد بنزعة التشيع ؟
يقابل الباحث في الشيعة والتشيع مصطلحات تحتاج إلى تحرير وتمييز، ذلك أن مصطلح الشيعة مرّ بعدة مراحل، تطور المفهوم خلالها من مسمى لم يكن يعد قصد أصحابه تفضيل بعض الصحابة على بعض مع الاحتفاظ لهم بالمحبة وسلامة الصدر، إلى مفهوم عقدي ومذهبي لم يكتف منتحلوه بمسألة الاختلاف بالتفضيل بين عثمان وعلى رضى الله عنهما، بل إلى اعتبار علي وصي رسول الله وهو الأجدر والأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر فضلا عن عثمان ، بل غالى بعض أصحاب هذه النزعة إلى اعتبار الخلفاء قبله مغتصبين للخلافة ، ومن لم ير ذلك من الأصحاب فهو متهم في دينه مختل في عقيدته ، ومن هنا انتحلت الروايات في انتقاص الصحابة ، والتجني عليهم ، في الوقت الذي انتحلت فيه روايات أخرى مبالغة في وصف علي ووصفه بما لا يرضى أن يوصف هو به (1) .
وعلى ذلك فالشيعة الأولى مصطلح لا يدخل فيما نحن بصدده وحتى نميزه عن غيره نعرف به ونحدد المقصود منه .
الشيعة الأولى :
جاء في صحيح البخاري – في كتاب الجهاد – " 0000 عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانياً، فقال لابن عطية وكان علوياً إني لأعلم ما الذي جرّأ صاحبك- يعني علياً (*) – على الدماء … الخ (2) .
قال الحافظ في الفتح معلقاً: وقوله " وكان عثمانياً " أي يقدم عثمان على علي في الفضل، وقوله " وكان علوياً " أي يقدم علياً في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة (3) .
وقال ابن عبد البر – رحمه الله – " وقف جماعة من أئمة أهل السنة والسلف في علي عثمان – رضي الله عنهما – فلم يفضلوا أحداً منهما على صاحبه منهم مالك بن أنس، ويحيى نب سعيد القطان،وأما اختلاف السلف في تفضيل علي فقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية، – ثم نقل ابن عبد البر إجماع عامة أهل السنة على تفيل عثمان فقال: وأهل السنة اليوم على ما ذكرت لك من تقديم أبي في الفضل على عمر، وتقديم عمر على عثمان، وتقديم عثمان على علي ، وعلى هذا عامة أهل الحديث من زمن أحمد ابن حنبل إلا خواص من جلّة الفقهاء وأئمة العلماء فإنهم على ما ذكرنا عن مالك ويحيى القطان وابن معين، فهذا ما بين أهل الفقه والحديث في هذه المسألة،وهم أهل السنة، وأما اختلاف سائر المسلمين في ذلك فيطول ذكره ، وقد جمعه القوم (4) .
وهذا الذي ذكره ابن عبد البر عن مالك في تقديم علي على عثمان ذكر ابن تيمية رحمه الله رواية أخرى عنه تخالفه، حين نقل ما استقر عليه أهل الحديث وأئمة الفقه في ذلك فقال: " وأما جمهور الناي ففضلوا عثمان، وعليه استقر أمر أهل السنة،وهو مذهب أهل الحديث، ومشايخ الزهد والتصوف،وأئمة الفقهاء كالشافعي وأصاحبه، وأحمد وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وإحدى الروايتين عن مالك وأصحابه، قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، وقال الشافعي وغيره إنه بهذا قصد والي المدينة الهاشمي، ضرب مالك، وجعل طلاق المكره سببا ظاهراُ ..(5)
كما نقل عن " مالك " – رحمه الله – رأياً ثالثاً يفيد توقفه وعدم تفضيل أحدهما على صاحبه وهو الذي حكاه ابن القاسم عن مالك عمن أدركه من المدنيين (6) .
ويحدد ابن تيمية مصطلح الشيعة الأولى ورأيهم في تقديم الصحابة فيقول: وكانت الشيعة الأولى لا يشكون في تقديم أبي بكر وعمر، وأما عثمان فكثير من الناس- يقصد من هؤلاء- يفضل عليه علياً، وهذا قول كثير من الكوفيين وغيرهم، وهذا القول الأول للشورى ثم رجع عنه.. وأما جمهور الناس ففضلوا عثمان وعليه استقر أمر أهل السنة… قال أيوب السختياني: من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار " (7) .
وبعد أن ينقل ابن تيمية في الفتاوى استقرار أمر أهل السنة على تقديم عثمان يشير إلى أن هذه المسألة الخلافية ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها هي مسألة الخلافة (8) .
وهو بهذا يؤكد الفرق الذي أشرنا إليه آنفاً، ويحدد مصطلح التشيع الذي نريد أن نتحدّث عنه كنزعة مذهبية كان لها أثرها في الكتابة التاريخية، فمتى نشأت هذه النزعة وما هو أثرها ؟
لا أريد هنا استعراض مختلف الآراء في نشأة التشيع والترجيح بينها- قلت أمر يطول، وليس هو المقصود بهذه الدراسة- بل الهدف الإشارة إلى تاريخ النشأة وأصولها .
ولئن كان الناس في الفتنة صاروا شيعتين – كما يقول ابن تيمية – شيعة عثمان وشيعة علوية، فهذا يؤكد أن زمن الفتنة بين الصحابة بداية الاختلاف لكن ذلك لا يعني استواء التشيع بالمفهوم المذهبي والانتحال العقدي الذي كان له أثره فيما بعد، وابن تيمية يؤكد هذا وهو يشير- في النص نفسه – إلى أنه ليس كل من قاتل مع علي كان يفضله على عثمان، بل كان كثير منهم يفضل عثمان عليه كما هو قول سائر أهل السنة (9) .
ولكن ذلك كذلك لا يعني عدم القوم بظهور بذور التشيع في تلك الفترة،وخاصة بعد ظهور عبد الله بن سبأ اليهودي – أواخر أيام عثمان – وإعلانه أفكاراً غريبة لم يقل بها أحد من قبله كالقول بالوصية لعلي ، والرجعة للأئمة، وسب الصحابة … وغيرها من الأفكار التي أصبحت بعد من أصول ومنطلقات التشيع،ولهذا نقل الأئمة عن سواهم اعتبار عبد الله بن سبأ مبدأ الرفض والتشيع (10) .
ونقلوا أن علياً " طلب أن يقتل عبد ا لله بن سبأ أول الرافضة حتى هرب منه " (11) .
وهذا ليس قصراً على أهل السنة وحدهم، بل لم يستطع الشيعة أنفسهم إنكار هذه الحقيقة، ومدونات الشيعة المتقدمة تثبت أهل أصل الرفض إنما كان من عبد الله بن سبأ (12) .
ومع التسليم بكون المصطلح لم يتبلور، والشيعة- الرافضة- لم تجتمع وتصير لهم قوة إلا بعد مقتل الحسين ، بل لم يظهر اسم الرفض – كما يقول ابن تيمية – إلا حين خروج زيد بن علي بن الحسين بعد المائة الأولى لما أظهر الترحم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رفضته الرافضة فسمّوا " رافضة " اعتقدوا أن أبا جعفر هو الإمام المعصوم، واتبعه آخرون فسمّوا " زيدية " نسبة إليه (12) .
أقول مع التسليم بذلك فتبقى عقائد السبئية وأفكار عبد الله بن سبأ التي طرحها لأول مرّة، ومازالت الشيعة تتشبث بها في المنطلقات الأساسية والبذور الأولى لنزعة التشيع، ومن أبرزها : والوصية، والرجعة، وسب الصحابة.
و معنى الوصية- كما وضعها بن سبأ – " أنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ووثب على وصي رسول الله " (13) .
و ينشأ عن القول بالوصية القول بفرض إمامة الموصى له- وهذا هو المقصود – وكان ابن سبأ – كما يقول القمي أول من قال بفرض إمامة علي (14) .
و أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي كما يقول الشهرستاني (15) .
أما الرجعة فتعني رجعة الأموات إلى الدنيا، وابن سبأ أول من قال ذلك (16) .
وكان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله (( إن الذين فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها (17) .
ومن لوازم هذه العقيدة عندهم الاعتقاد بأن علياً حي لم يمت، ولهذا فالشيعة يقولون بأن علياً لم يقتل ولم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض، ويسوق العرب بعصاه (18) .
أما سب الصحابة فيؤكد علمان من أعلام الشيعة – القمي، والنوبختي – بأن عبد الله بن سبأ كان أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم (19) .
ويقول الهيتمي: أن السبأية – وهم أصل التشيع كما سبق- كانوا يسبون أصحاب رسول الله إلا قليلا منهم، وينسبونهم إلى الكفر والزندقة ويتبرأون منهم (20) .
أكتفي بإيراد هذه النماذج من معتقدات الشيعة . لأنها ستبدوا لنا أكثر من غيرها وضوحا حين الحديث عن نماذج من أثر نزعة التشيع في الكتابة التاريخية .
والآن لنحدد أثر النزعة المذهبية – بشكل عام- في الكتابة التاريخية ثم نتوقف بشيء من البيان والتفصيل عن أثر نزعة التشيع بشكل خاص .
أثر النزعة المذهبية :
تشكل النزعة المذهبية – أيّاً كانت – مورداً من موارد الزلل والتحريف وتعد واحدة من أبرز أسباب الكذب في التاريخ،وكيف لا يكون ذلك كذلك وصاحب النزعة إنما يحاول بشكل إرادي أولا إرادي أن يفسر الحدث وفق مشربه، ويصور الأمور كما يشتهي ويعتقد .
و لقد تطرق ابن خلدون – رحمه الله- في مقدمته للكذب في الأخبار والأسباب المقتضية، فذكر – أول ما ذكر من ذلك – النزعة للمذهب والتشيع للآراء فقال: " ولما كان الكذب متطرقاً للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه، وفمنا التشيعات للآراء والمذاهب، فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهله، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها من الانتقاد والتمحيص فتقع في قبول الكذب ونقله (21) .
نزعة التشيع :
و إذا كان هذا في عموم النزعات المذهبية، فلنزعة التشيع – وهي موضع البحث – من ذلك نصيب وافر، ويشخص لنا شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – داء المذهبية عند الرافضة،وعمق الكذب عن الشيعة حين يقول: ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة، فليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أكثر كذبا ولا أكثر تصديقا للكذب وتكذيبا للصدق منهم، وسيما النفاق فيهم أظهر من في سائر الناس، وهي التي قال فيها النبي " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان " وفي رواية " أربع من كن فيه كان منافقا خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف ،وإذا عاهد غدر،وإذا خاصم فجر" وكل من جربهم يعرف اشتمالهم على هذه الخصال، ولهذا يستعملون " التقية " التي هي سيما للمنافقين واليهود ويستعملونها مع المسلمين (( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم )) ويحلفون ما قالوا وقد قالوا، ويحلفون بالله ليرضوا المؤمنين والله ورسوله أحق أن يرضوه " (22) .
و ينتهي – ابن تيمية – إلى أنهم شرّ من عامة أهل الأهواء، وأحق بالقتال من الخوارج، وهذا – كما يقول- هو السبب فيما شاع في العرف العام أن أهل البدع هم الرافضة (23) .
و أنهم إن لم يكونوا شراً من " الخوارج " المنصوصين فليسوا دونهم (24) ,
ثم يعرض للمقارنة بين النحلتين، ومؤكداً أن الخوارج أقل ضلالا من الروافض مع أن كل واحدة من الطائفتين مخالفة لكتاب الله وسنة رسول الله ومخالفة لصحابته وقرابته، ومخالفون لسنة خلفائه الراشدين ولعترته أهل بيته(25) .
وينقل لنا في كتابه " منهاج السنة " اتفاق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، وأن الكذب فيهم قديم (26) .
ثم يقول: " ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم مثل كتب يحيى من معين، والبخاري، وأبي أحمد ن عدي، والدارقطني، وإبراهيم بن يعقوب الجزوجاني السعدي، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وأحمد بن صالح العجلي، والعقيلي، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، والحاكم النيسابوري، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري ، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقاد وأهل معرفة بأحوال الإسناد رأي المعروف عندهم الكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف (27) .
ثم ينقل – ابن تيمية – تحرج أصحاب الصحيح عن النقل عن خيارهم فضلا عن من دونهم فيقول: حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري لم يرو عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم ين ضمرة، والحرث الأعور وعبد الله بن سلمة وأمثالهم، منع أن هؤلاء من خيار الشيعة (28) .
ثم يوثق (*) ابن تيمية نقولاً عن الأئمة الأعلام في كذب الرافضة، فيروي عن " مالك " قوله: وقد سئل عن الرافضة: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون (29) .
وكان يقول: نزّلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب لا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم (30) .
ولما اشتهرت الكوفة اختصت بالكذب فقد شبّهها " مالك" رحمه الله بدار الضرب، فقد قال له عبد الرحمن ابن مهدي: يا أبا عبد الله سمعنا في بلدكم أربعمائة حديث في أربعين يوماً، ونحن في يوم واحد نسمع هذا كله . فقال له مالك: ومن أين لنا دار الضرب، أنتم عندكم دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون بالنهار (31) .
وعن الشافعي قوله: لم أر أحد أشهد بالزور من الرافضة(32) ، وعن الأعمش أنه قال: أدركت الناس وما يسمّونهم إلا الكذابين يعني أصحاب المغيرة بن سعيد (33) – وهم من الرافضة .
كما نقل ابن تيمية عن يزيد بن هارون قوله: نكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون(34) .
وعن شريك– مع أن فيه تشيعاً – قوله- أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً .
و يعلق ابن تيمية على كلام شريك هذا بقوله: وشريك هذا هو ابن عبد الله القاضي قاضي الكوفة من أقران الثوري وأبي حنيفة ، وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه أنا من الشيعة، وهذه شهادة فيهم (35) .
وفوق ذلك ينقل الذهبي عن ابن المبارك قوله: الدين لأهل الحديث والكلام والحيل لأهل الرأي، والكذب للرافضة (36) .
وقد ثبت عن الشعبي أنه قال: ما رأيت أحمق من الخشبية (37) لو كانوا من الطير لكانوا رخماً، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً، والله لو طلبت منهم أن يملؤا هذا البيت ذهباً على أن أكذب على علي أعطوني، ووالله ما أكذب عليه أبداً (38) .
وهو القائل: أحذركم أهل هذه الأهواء المضلّة وشرّها الرافضة (39) .
ولم تكن الشيعة تتورع عن الكذب البتة ، وفي هذا يقول حماد بن سلمة: حدثني شيخ لهم قال: كنا إذا اجتمعنا استحسنا شيئا جعلنا حديثاً (40) .
و لفرط كذبهم وتزويرهم امتنع بعض الأئمة الأعلام عن الحديث في فضائل علي ، حتى قال سفيان الثوري: منعتنا الشيعة أن نذكر فضائل علي (41) .
وكان يقول: إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي وإذا كنت بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر (42) .
وقال الشعبي – و قد ذكرت الرافضة يوماً عنده – " لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب (43) .
وقد أكد ابن أبي الحديد – مع تشيعه (*) – تأصل الكذب في الرافضة فقال: " إن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم، وحملهم عل وضعها عداوة خصومهم"(44) " .
أكتفي بإيراد هذه النصوص ولعل فيها كفاية لبيان المقصود، وإلا فهناك غيرها لمن تأمل .
ولعله آن الأوان لأن ننتقل من التوصيف النظري إلى التطبيق العملي لنتبين من خلاله كذب الشيعة وافتراؤهم من خلال المرويات التاريخية التي رووها، والمصنفات التي ألفوها.
ومن هنا سوف يكون الحديث عن نزعة التشيع جامعا بين الرواة والمصنفات .
ولئن لم يكن بالإمكان نقصي كل راو، والإحاطة بكل مصنف شيعي فحسبنا الوقوف على نماذج من هذا وذاك.
يتبع ..

بحث سريع